الخميس، 27 فبراير 2014

Title Amrīkā al-Lātīnīyah bi-ʻuyūn Maghribīyah /​ ʻAbd al-Raḥman Bakkār ; tarjamat Muḥammad al-Mazdīwī.



Title
  • Amrīkā al-Lātīnīyah bi-ʻuyūn Maghribīyah /​ ʻAbd al-Raḥman Bakkār ; tarjamat Muḥammad al-Mazdīwī.
  • أمريكا اللاتينية بعيون مغربية /​ عبد الرحمن بكار ؛ ترجمة محمد المزديوي.
Uniform Title
  • L'Amérique latine sous une perspective maghrébine. Arabic
Author
  • Beggar, Abderrahman.
  • بكار، عبد الرحمن.
Other Authors
  • Mazdīwī, Muḥammad.
Published
  • al-Rabāṭ : Marsam, 2010.
  • الرباط : مرسم،, 2010.
Physical Description
  • 166 p. ; 22 cm.
Summary
  • Latin America; description and travel.
Language
  • Arabic
ISBN
  • 9789954211946
Libraries Australia ID
Contributed by
Libraries Australia

الأحد، 9 فبراير 2014

عبد الرحمة بكار: في الأوروغواي




III
              وقائع من الأوروغواي               
  بقلم : ذ .عبد الرحمن بكار
 ترجمة ذ. محمد المزديوي




كانت السفينة تواجه أمواجا مرغية تحاول دفعها نحو الشواطئ الأرجنتينية من حيث أتت. غير متأثرة البتة، كانت تقابل التيار بكتلتها وقوة آلياتها وتواجهه بغضب مزبد. كانت الريح تصفر وتخرج عويلها من حلق كوني يذكر الإنسان بوضعه القزمي في العالم، كانت من نوع بابا غايو(ببغاء)، اسم يطلقه البحارة، خاصة في البحر الكاريبي، على هذه الرياح الخائنة التي  تشرع عندما تلمس الحبال والأشرعة في إطلاق صياح جنائزي ينذر بالعاصفة.
كانت  الباخرة تتقدم نحو شاطئ الأورغواي، بنفس إيقاع ابن بطوطة1 في مضيق جبل طارق، مثله كانت تحمل الهدايا، الأحلام  والحنين. كنا قد غادرنا الأرض اليابسة منذ ساعة. كان الجسر خاليا تقريبا، والمسافرون  القليلون الدين غامرون  بالصعود كانوا ينظرون  إلى المياه وهم يحتسون " الماتي"، نقيع يستهلك بنفس وتيرة الشاي بالنعناع في المغرب، يقدم في كؤوس من الخشب، مع أنبوب معدني، من الفضة في الغالب. شدني مظهر عجوز يبرز جانبه على خلفية ساحرة، تتكون من السماء والماء. كان له وجه قاس وخشن، شارب كثيف وأبيض، عارضان وشعر رمادي متموج تحت طبقة كثيفة من زيت الشعر، تجاعيد كأنها كتابة هيروغليفية بنفس غموض شخصية الرجل السبعيني ذي النظرة التائهة في وحدة الأمكنة  التي جاء منها، هي بلا شك، الأراضي الممتدة للبراري الأرجنتينية. كان طوله مدهشا (1متر و 95 س)، ينتعل حذاء عاليا أسود من الجلد، مهاميز من فضة، سروال أسود كبير وحزام من الجلد مرصع بقطع عملات قديمة، ومحبك من فضة بحجم مدهش،على أحد الجانبين سكين كبير مغمد من نفش المعدن، على الجانب الآخر، سوط بمقبض من فضة، كان قميصه أحمر واسع، بأزرار من نفس وهج المقبض، صدرية من الجلد بلون الكارميل، منديل حول العنق، كانت عنده قبعة سوداء، وحول الكتفين، بنشو مطوي بألوان زاهية. 
كنت على بعد أقل من ثلاثة أمتار، أتردد بين الاختباء وتجنب العاصفة، أو مواصلة تأمل هذا الصنف البشري الذي يوشك على الانقراض، راع حقيقي. كما لو أنه قرأ أفكاري، أطلق دون أن يزيح نظرته عن المياه المضطربة "لا تقلق. ستهب العاصفة بعد ساعة أو ساعتين من وصولنا. جميل ريو دي لابلاتا أليس كذلك؟"  ثم غرق في صمته من جديد. بعد عشر دقائق، قرر أخيرا أن يتجاذب أطراف الحديث. "هذا النهر عنيف، كذلك حكايته. حتى الرجل الذي اكتشفه، رجل اسمه سوليس، افترسه الهنود، هناك في الأوروغواي" أخذ يتحدث عن النهر وأساطيره، عن البواخر التي اختفت دون أن تترك أثرا، عن الساحرات اللواتي كن يتفقن مع الشيطان لكي يجعلن العبور مستحيلا في بعض المواضع، عن أرواح تائهة لهنود وثنيين... كنت أنصت له باهتمام بالغ، كل حكاية تضيف قطعة جديدة لمجموعتي من الأساطير المرتبطة بعالم الأنهار، من الأمازون حتى أصغر رافد.
في جميع الحضارات الماء منبع إعجاب.
 أنا ابن الماء. ولدت على ضفة نهر، وهو يسكنني للأبد، بكل هذه الأشياء المرتبطة به : السمار، الطحالب، الدفلى، العصافير، الشبوط وغناء الغاسلات... أكثر من  كونه مجرى ماء، هو أسطورة. مجموعة من الخرافات تصاحب مجراه الدائم ؛ هناك الصياد كيسا الذي عرف تلك العوالم التحت مائية، بحيرات تمتد على مدى هكتارات، وتصل حتى أسفل المسجد الكبير، وسطها جزر، حيث، دائما حسب الأسطورة، وجد الصياد مأوى وغذاء وحيث رأى ذلك الوحش الذي  لا يخرج من مرقده سوى لكي يبتلع التعيس الذي يقلق مضجعه؛ هناك أيضا حدائق الأعماق حيث تكبر الكروم؛ هناك " عبد النهر " الشهير، أسوء المفترسين، دون أن ننسى الجن  الأشرار الذين يحتلون مداخل مجاري المياه... ما يعتبره البعض تطيرا أو خرافة، هو في الحقيقة، مرتبط   بوجود النهر. الدهشة تسكن مياهه. مقاومة ديكتاتورية  المحسوس هي التي تسكن عيوننا منذ قرون ؛ هي التي تطبع  " الحكاية الطبيعية " لكاتب العصر القديم، بلين PLINE (23ـ 79)، عندما تحدث عن نهر طفولتي، نهر تانازي Tanasi أو نهر أم الربيع. وأنا طفل، كنت مثل جميع أقراني، صانع عمالقة ؛ تحت بصري، كان كل شيء يتحول عملاقا، كان خيالي يستخف بالقياسات، إلى درجة أن الذهاب إلى الحمام يتحول إلى نزهة على رأس العملاق الذي يتحدث عنه بوكماخ في كتابه المدرسي، ("وكان رأسه يشبه قبة حمام")... ولو أنه في عدة أماكن لم يكن عرض الماء يصل أكثر من مترين، لم يكن عندي أدنى شك في أن لمياهها نفس سحر البحار. كان الإعجاب يقتات خاصة بهذه القوة العجيبة التي تسكن المياه، قوة أمواج عنيفة خلال الفيضانات، تحمل كل شيء تجده في طريقها، رجال، بيوت، خيام وحيوانات ؛ هذه الأمواج التي التهمت تحت ناظري، عندما كان عمري سبع سنوات، جارنا المسكين الذي كان يحاول سحب جذع شجرة ليحصل منه على بعض الدراهم. هذه الأمواج التي تعطي للنهر لقبه "أم الأربعين" ("أوم أربعين")، في إشارة إلى عدد الضحايا التي يتطلبها كل سنة ليشبع نهمه.
كان الراعي العجوز يتكلم بصوت منخفض كما لو كان يخشى آذان النهر الكثيرة. كانت تخرج من فمه قطع من الغطاء الذي يجعل من النهر حارس أسرار. أخرجنا المطر، دفعة واحدة، من أحلامنا ودفعنا للاختباء، وسط التدافع، في المطعم... بدأ شاطئ الأورغواي  يرتسم تحت سماء رمادية منخفضة، وعوض أسراب البوم  واللقالق، استقبلنا برق يشق سماء رمادية شبيهة بقطعة جبن كبيرة. كان السفر قد استغرق ثلاث ساعات تقريبا. في ريو دي لابلاتا تصب مياه أكبر أنهار أمريكا الجنوبية، البارانا والأورغواي؛ يمكن أن يصل عرضه 220 كلم.  
هذا البلد الصغير، الأورغواي (176,220كلم2)، حيث يقال إن عدد البقر يتجاوز عدد البشر(3،413،329 نسمة)، قزم بين عملاقين، الأرجنتين والبرازيل، من أكثر البلدان سحرا على  الكرة الأرضية. لم يعرف أقصى جنوب القارة الأمريكية اللاتينية سوى اهتماما متأخرا من طرف الآتين من أوروبا، بدأ الغزو بالكاريبي وأمريكا الوسطى، ثم واصل نحو الجنوب( اكتشف البلد سنة 1516، لكن بناء العاصمة، مونتفيديو، لم ينته إلا سنة 1730). وجود الأوروبيين حصل بشكل متأخر لكن بقسوة وعنف، أبيدت قبائل الشاروا من طرف أناس يحملون دمها، خلاسيين، ثمرة علاقات قسرية، بين الغزاة والأهالي ؛ هؤلاء المستأصلون هم أنفسهم الرعاة، رعاة بقر مرتبطون بالقطيع والمراعي، يذكر غزوهم بغزو الغرب الأمريكي البعيد. مرافقي كان ثمرة لهم، دون أن يكون متورطا في مجازر حصلت منذ  قرون مضت. هذه الهجمة هي أساس نشوء الأوروغواي الحديثة. حفل الدم ـ الذي جعل البلد لا يضم أصليين بين ساكنته ـ تواصل بحلول الديكتاتورية العسكرية (1973- 84).  هذه المرة، لم تكن الضحية تستجيب لمعايير عرقية، بل سياسية. أمام ما يحدث في الأرجنتين، مع حكومة قررت ترك حرية التصرف للقضاء، وحاليا في الشيلي، مع رفع الحصانة عن الديكتاتور السابق أوغوستو بينوشي، ارتفعت الأصوات بحدة من أجل محاسبة المذنبين. كان الأوروغواي من ضمن ما يسميهم إدواردو غاليانو، أحد أبنائه الذين دفعهم العسكريون إلى المنفى، أحد الأصوات المنشقة في القارة، " سوق الفظاعة المشتركة "، في إشارة إلى التعاون بين الديكتاتوريين العسكريين من الأورغواي، الأرجنتين، الشيلي البارغواي والبرازيل. أحد الملفات التي أحيت النقاش على المستوى العالمي، هو ملف الشاعر الأرجنتيني الشهير خوان خلمان، الذي عُذّب ابنه مارسيلو وزوجته الحامل، كلوديا، سنة 1976 من طرف أعضاء المخابرات السرية لبلدهم. حزن الشاعر كان هو القوة التي حفزته للبحث عن ابنته الصغرى. هذا البحث المضني أعطى ثماره أخيرا، واستقبل القرن الواحد والعشرون سيدة شابة عمرها 23 سنة، من قاطني مونتيفيديو، بتصريح مؤثر: كانت سلعة ضمن سلع "سوق الفظاعة المشتركة" التي تحدث عنها إدواردو غاليانو. أبوها، الذي كان عضوا في قوات الأمن بالأورغواي، وتوفى سنة 1996، حصل عليها بفضل التعاون المرعب بين ضفتي ريو دي لابلاتا. الأب الحقيقي كان قد صفي بمجرد إيقافه، الأم "صدرت" والطفلة، أخذت كغنيمة حرب.                                
تغير الأوروغواي كثيرا منذ نهاية الديكتاتورية، والانتقال الديمقراطي يسير بوتيرة مشجعة، رغم الاضطرابات السوسيو اقتصادية التي يعرفها المركوسور(منطقة للتبادل الحر تشمل الأرجنتين، الأوروغواي، الباراغواي و البرازيل). يجري التحديث بخطوات جبارة، يتوفر البلد على بنية تحتية ممتازة (على سبيل المثال، بشبكة تغطي %95 من المنازل، يتوفر  البلد على أكبر تغطية كهربائية في أمريكا اللاتينية). يمكن أن نلاحظ أن  سكان الأروغواي بعيدون عن العصر التي كانت فيه الفلاحة على رأس النشاط الاقتصادي، هذه الأخيرة لا تمثل سوى 6%، الصناعة  % 27 و الخدمات % 67. وبالنسبة لشخص مثلي مقتنع تماما بأن المكان الطبيعي للأطفال هو قاعة الدرس،  اندهشت لنسبة التمدرس %97.5.
     مونتيفييدو عاصمة مزدهرة، تحتل مركزها الأبناك، شركات التأمين، مستشارون...، جيل من الشباب النشطين و المقاولين. السنة الماضيةّ، تشرفت بالتعرف على أحدهم، مدير شركة  متخصصة في تكنولوجيا المعلومات، جاء إلى كندا باحثا عن سوق لمنتجاته. كنت  متأثرا جدا لرؤية كيف أن شركة من الجنوب تحاول أن تشق طريقها في أمريكا الشمالية، في  قطاع من أكثر القطاعات تنافسية. في جميع الأحوال، أثار إعجاب محاوريه وبرهن عن الجودة العالية للبحث و التكوين في بلاده. عندما تحدثت معه عن الأروغواي، فهمت أن المشكل رقم 1 هو البطالة( 19،2 في المائة). العائق الكبير الآخر يكمُنُ في بقاء هذا الطفل على قيد الحياة، هذا القتل للتقدّم dévelopocide، هذا العزيز على قلب الديكتاتورية، انحراف للطبيعة البشرية التي يعتبرها الفيلسوف نيتشه الرسول الذي يعلن نهاية الحضارة والذي يشير إليه بمقولة "وغْد-قراطي"voyoucrate؛ مدفعه خاتَم، قلعته بطاقة، نجمة الشمال ورقة نقدية، هو نوع من الطفيليات التي تفسد المؤسسات والإدارات وتشلّ تطور الأمم. كان على وجه المُقاول الشاب هذا التساؤل الذي يُكزز الإرادات الحسنة: "ما الفائدة؟"...   
أول مدينة قمت بزيارتها  في الأوروغواي كانت مدينة كولونيا، على ضفاف ريو دي لا بلاتا، مدينة أعلنتها اليونسكو تراثا إنسانيا. ممراتها المرصفة، شوارع مدينتها العتيقة، بمنازلها القديمة الواطئة ذات السقف الخشبي وخصوصا منازل باريو دي لوس سيسبيروس، وظاهرة لا تني تجذب انتباه الزائر، سكانّها وهم يتجولون بقوارير حفظ الحرارة، بمشروب "الماتي" (شراب شبيه بالشاي معروف في أمريكا الجنوبية) الذي يتناولونه طول النهار.
في كولونيا، الغروب ساحر؛ تهدهد السماء غفوة المياه، في سرير من ألوان غامضة، وتدعو الناس إلى أخذ قسط من الراحة والتركيز على المهمة الحقيقية للمسافر: السفر من أجل الالتقاء بالذات. في هذه المدينة أعدت ترتيب أفكاري واتخذت قرارات غيرت مجرى حياتي. ولجت النفق، على كرسي، تحت عمود إنارة، وخلال بضع سنوات، بدأت أرى الضوء الذي تسبح فيه أنا برزت من أنقاض حياة مفروضة.                                                                
جاذبية الأوروغواي الشديدة لا تترك مكانا للإحباط. العلاج بالماء قادني إلى المكان المدعو بونتا بالينا، على بعد 128 كلم جنوب مونتيفيدو، ذراع جبل بالينا الذي يخترق البحر ويفصل سواحل مالدونادو وبورتيزويلو. من حسن حظي كان المكان خاليا. جلست في طرف الجبل، يحيطني الماء من كل جانب، انتظر الحيتان. لم يشبع فضولي، لكني قضيت لحظات جيدة، في صمت وصفاء تامين. تحققت رغبتي سنوات من بعد، على الأرض الجديدة، حيث رأيت حيتانا بالعشرات، وبالنظر إلى ذكرى إخفاقي في رؤية حوت واحد في الأورغواي، اكتشفت، بعد طول تفكير، أني بدل أن أرى الحيتان، استطعت أن أتعرف على أصوات وأحاسيس تسكنني كانت مقموعة، أنهارا من الحساسية، وحدها الأماكن المليئة بمثل هذا السحر تستطيع تحريرها.
بونتا أخرى، بونتا ديل إيستي هذه المرة، وضعت حدا لتلك النشوة. على غير عادتي، أخذت حافلة مع فوج سياح، من جنسيات مختلفة ؛ كان هناك صياح من كل جانب، شره التصوير، خيبة أمل الشمال الذي أتى ليأخذ صورا لبؤس الجنوب، شكاوي الذين وجدوا سعر ورق المراحيض مرتفعا في ليما ويتساءلون عن سبب عدم وجود بيتزا دومينو في بوليفيا. أخذت سيدة، ذات قبعة مزينة بفواكه بلاستيكية (كرز وموز ومشمش) تحمل حقيبة، في رمي السكاكر لبعض الأطفال، الذين أجابوا بكيل من الشتائم. غذت مرافقتنا ذهان " الأصلي الخطر"، كانت تعتبرنا قطيعا من الأغبياء، مستعدين للاستسلام لمن يتكفل بهم... عندما وصلنا أخيرا إلى مقصدنا، من أجل القيام بنزهة في المدينة الشاطئية ذات الحمامات، النظيفة والمترفة، مكان لا يقصده سوى الأغنياء، أخذت مرافقتنا، بين كل طبقة أحمر شفاه، تستغرق وقتا كأنه الدهر لتحدثنا عن أكوام الأموال التي تحتويها الجدران: "زجاج هذه النوافذ صنعتها شركة رايْ ـ بان... قرمود هذه الفيلا قطع سيراميك من توقيع الفنان سين... أمضى الرئيس بوش، ذات مرة، ليلة هنا... في الصيف، يوضع المكان تحت حراسة مشددة، حتى تلاميذ أكاديمية الشرطة يأتون لتقديم مساعدتهم...".
في الأخير، سمحت لنا أركيولوجية الحماقة (دليلتنا) بتنشيط أرجلنا لساعتين. كنت خجلا من نفسي وأتحاشى النظر إلى الآخرين. كنت أحس أني أساهم في مسخرة. طفت إحدى الذكريات إلى السطح. لم يكن لمكان ولادتي أية أهمية سياحية، ولم يكن الأجانب يتوقفون هناك إلا من أجل الاستراحة في أحد المقاهي على الطريق التي تؤدي إلى المدرسة، ثم يتابعون السفر نحو الجنوب. ذات يوم، كانت على الشرفة سيدة أوروبية تستمتع برمي السكاكر لنا، ونحن، حوالي ثلاثين تلميذا، كنا نتصارع تحت رنين قهقهاتها والعجرفة الباردة لزوم آلة التصوير، فجأة، أحسست بيد تمسكني من رقبتي وتجرني بعيدا، كان أبي، يستشيط غيظا وخجلا، نلت عقابا لا ينسى، وبعده مكافأة كبيرة من كلمات لا تزال عالقة بذاكرتي، أنت لست قردا، أنت إنسان، لهذا لا تترك أي أحد يجردك من كرامتك.  كنت سعيدا بهؤلاء الأطفال الأوروغوانيين الصغار وهم يصيحون بأنهم ليسوا متسولين، وأحسست برغبة في التقيؤ في قبعة السيدة، لأن كل شيء كان يثير الغثيان: الفواكه البلاستيكية، السكاكر، ابتسامتها البلهاء وعادة  حك السن بظفر الإبهام.
العودة إلى مونتفيديو. استغللت الوقت المتبقي للتجوال وسط المدينة وزيارة المكتبات العتيقة، أفضل الأماكن لعاشق كتب مثلي.