السبت، 29 سبتمبر 2012


مونوغرافية بعض عشائر قبيلة بني مزدوي
الأستاذ الباحث الكبير إدريس تسولي 

وفي سياق الموضوع السايق وتماشيا مع طلب بعض الأعضاء فيما يخص تناول عشائر باقي القبائل وأنسابها يتفضل الأستاذ والباحث في التاريخ إدريس التسولي بأن يفتح قوسا حول عشائر قبيلة بني مزدوي "آيت مزدوي" ومنها :

عشيرة أولاد فارس بن علي المزديوي:انقسمت الى قسمين :أولاد الغازي بن فارس واولاد عزوز بن فارس المذكور .ثم إنقسمت قسمة اولاد الغازي الى الفرق الآتية:

فرقة أولاد الجيلالي ومنهم الفقيه محمد المدعو لزعر بن محمد بن احمد بن عمر بن الجيلالي.ويصل بنسبه الى الغازي عبر عمر بن احمد بن ابراهيم بن علي بن الغازي.
فرقة اولاد باعلي :وهم من عقب علي المعروف بباعلي ومنهم اولاد علوش بن محمد بن علي وينتهي نسبه الى الغازي كذلك واولاد بوزلحاض وكان منهم الفقيه المفتي الأستاذ السي محمد بن محمد بوزلحاض المتوفي عن غير عقب.

وفرقة أولاد يحيى بن يحيى بن الغازي المذكور: ومنهم اولاد محمد المدعو حميت بن امحمد بن الحاج عيسى و ينتهي نسبه الى يحيى بن يحيى المذكور ومنهم كذلك اولاد الحاج بوبكر ومنهم اولاد الهدون ومحمد بن علي بن الحاج بوكر .ومنهم اولاد الحاج عبدالرزاق ويعرفون باولاد الفقير واولاد بن مونة وارزوق والرزوقي ومنهم كذلك أولاد الحاج شعيب واولاد الحاج دحمان.

وفرقة أولاد الغرشي ومنهم اولاد مسعود اولاد صديق بن حمو بن الغرشي وغيرهم من ابناء عمهم الذي ينتهي نسبهم جميعا الى الغازي المذكور.

فرقة اولاد الطيب عيسى لحسن بن امحمد بن يحيى بن الغازي اختصارا يعرفون باولاد الطيب التوزلتي وليس اللمسي .

أما عشيرة اولاد الحاج طاهر من نفس نسب اولاد الغازي فقد استوطنوا دوار بني بوزمور بقبيلة بني مزدوي.

فرقة اولاد ايدير وينتهي نسبهم كذلك الى الغازي.

فرقة اولاد يخلف بن الغازي انتقلوا بالسكنى قديما الى دوار احوصن ولحصن ومنهم اولاد الحاج اعمار ومن عقبهم اولاد بويدو بودخان.

جميع فرق وتفرعات عشيرة اولاد الغازي ترتبط ارتباطا وثيقا بدوار توزلت

عشيرة اولاد عزوز بن فارس المذكور :ومنها عقب اولاد مسعود بن موسى بن عزوز ومنهم فرقة اولاد الحاج احمد إكلا بعقد الكاف ومنهم اولاد محمد بن صديق بن محمد بن الحاج أحمد المذكور وأبناء عمه ومنمهم أولاد أقشيقش والروكي بالكاف المعقودة وأولاد محمد المدعو تشيتا و أبناء عمهم أولاد أغلاج وإعبادن وغيرهم.

فرقة أولاد الحاج محمد المدعو أقشار ومنهم اولاد عيسى بن الحاج محمد ومنهم اولاد ابقوي وهو امحمد بن حدوش بن عيسى المذكور بتاريخ 1902 من كبار شيوخ قبيلة بني مزدوي كذلك اخوه عمر المدعو اكرباح وباقي ابناء أعمامهم : أفنسيس وقروع والكوم وأولاد محمادي بن محمد بن عبد الكريم بن عيسى المذكور المعروفين بالعثماني حاليا وكان منهم كذلك اولاد الحاج اعمر بن امحمد بن عيسى المذكور ومن أولاد الحاج محمد المذكور كذلك اولاد الحاج دحمان المعروفين بادحمانن واليحياويين ومنهم اولاد علوش بن الحاج دحمان وكان منهم احد قواد محمد بن عبد الكريم الخطابي ويتعلق الأمر بمحمد المدعو بن فطوش بن محمد المذكور ومنهم اولاد هولات وغيرهم ومن اولاد الحاج محمد المذكور اولاد محمد الناظر واولاد لشهب واولاد السي عزوز واولاد عمي واولاد سلام بن الحاج محمد وغيرهم. وكان من اولاد الحاج محمد المشهورين بداية القرن التاسع عشر وهو الشيخ عمر بن الحاج محمد المذكور و هو جد اولاد العمراني والمزديوي وامحايني وبنزيدان وغيرهم.

فرقة اولاد الشلحي وهم اولاد الهادي المدعو الشلحي وكانت له ولأولاده من بعده القيادة و الرئاسة في قبيلة بني مزدوي خلال أواسط القرن التاسع عشر الميلادي وكانوا يتزعمون الحروب القبلية بينهم وبين تارجيست الى ان كتب الله لهم بالاضمحلال ولم يبقى منهم الا اولاد الفقير احمد بن عيسى بن مسعود بن الشلحي ومنهم عيسى.

فرقة اولاد امحند ويحيى هذا باختصار فيما يرجع لإعزوزن وتوزلت.

ومن المعروف أن قسمة الارض المشتركة بين المدشرين المذكورين تنقسم الى قسمين النصف لتوزلت و النصف الآخر لإعزوزن وهؤلاء يقتسمون نصفهم الى ثلاثة أقسام: الثلث الاول لفرقة أولاد الشلحي و الثلث الثاني لفرقة اولاد امحند اويحيى والثلث الثالث يقتسمه اولاد إكلا والحاج محمد الى ثلاثة وعشرين سهما منها تسعة أسهام لاولاد الحاج محمد المذكور تقسم بين اولاده أرباعا. وربع اولاد علوش بن الحاج دحمان يقسم اخماسا .اما الاسهام الأربعة عشر الباقية فيأخذها اولاد إكلا وأعباد و من معهما يقتسمونها وفق إيراثاتهم.

عشيرة اولاد سعيد بن ابراهيم أرقراق ومنهم اولاد الطالب علي بن اسعيد المذكور ومنهم فرقة اولاد ابراهيم بن لحسن بن الطالب علي المذكور ومنهم اولاد محمد بن الحاج عيسى ابن ابراهيم واولاد مسعود ابن ابراهيم واولاد حدوش ابن مسعود بن براهيم و غيرهم.

وفرقة اولاد محمد بن ابراهيم بن سعيد المذكور والذين انتقلوا بداية القرن العشرين مستوطنين دوار توزلت قرب "ونسعيد" ومنهم اولاد عبد الله بن محمد بن محمد المذكور المعروفين قديما بأولاد "اليمامة" وبالأمازيغية تعرف باولاد "ثيميجي " او اولاد "دبوزة "ويعرفون حاليا خاصة فصيلة منهم بأولاد الصغير ومنهم اولاد الحاج محمد بن ميمونة بن محمد بن عبد الله المذكور و اولاد اخيه امحمد وعبد الله. ومنهم كذلك اولاد محمد بن محمد بن عبدالله المذكور المعروف "بشكوكر" ومنهم كذلك اولاد أخيه حمو بن محمد بن عبد الله المذكور.

وفرقة اولاد عياد وكان منهم المعمر عمر بن عياد المذكور و هي عشيرة مقلة

فرقة أولاد أمقران

فرقة أولاد تلموت

ومن العشائر اللمسية التي إنتقلت الى توزلت عشيرة اولاد عمر اوسعيد أحرشي الرقراقي الورياغلي الأصل والنسب اللمسي ثم التوزلتي المنشأ والقرار.ومنهم :

فرقة اولاد الحاج عيسى بن امحمد بن عمر بن سعيد المذكور .ومنها اولاد عمر بن الحاج عيسى المذكور وهم محمد المدعو بوشمال ,و محمد الجعبور لقبا وحمادي وامحمد ,وحدوش,والحاج بوطاهر والحاج أحمد ومنهم عزالدين بن سعيد بن الحاج احمد بن عمر بن الحاج عيسى بن امحمد بن عمر بن سعيدالمذكور أولا .

فرقة حدوش بن امحمد بن عمر بن سعيد المذكور ومنه اولاد محمد بن حمو بن حدوش المذكور واولاد عمر بن حدوش المذكور و اولاد مسعود بن حدوش المذكور و اولاد علي بن حدوش المذكور و اولاد امحمد بن حدوش المذكور وغيرهم .

وفرقة أولاد محمد ابن امحمد بن عمر بن سعيد المذكور: وهم محمد و عبدالله والحاج احمد وعمر وبوطاهر وعلي وامحمد ومنمهم امحمد بن سلام بن محمد بن محمد بن امحمد بن عمر بن سعيد المذكور صاحب محل الجزارة قرب المسجد بتارجيست.

وسنتكتفي فيما سطرناه أعلاه و أوجزناه بخصوص بعض عشائر قبيلة بني مزدوي مؤملين أن نتوسع في باقي العشائر و الفرق و تاريخ القبيلة المذكورة في مواضيع أخرى ستكون بمثابة مونغرافية عامة نفتتح بها التاريخ العام لقبيلة بني مزدوي.

الجمعة، 28 سبتمبر 2012


جلال الحكماوي: اذهبوا قليلا إلى السينما
(قصائد تمتح مواضيعها من اليومي وتسخر من تحميل القصيدة مسؤولية لا تعنيها)
محمد المزديوي
(المغرب/باريس)
محمد المزديويعن دار توبقال المغربية صدر أخيرا ديوان شعري للشاعر والصحفي والمترجم المغربي جلال الحكماوي تحت عنوان "اذهبوا قليلا إلى السينما". الديوان يكشف حيوية القصيدة الحديثة في المغرب، خصوصا بعد أن نشرت نفس الدار ديوانا جميلا للشاعر والصحفي المغربي المقيم في باريس عبد الإله الصالحي يحمل عنوان "كلما لمستُ شيئا كسرتُهُ"، ونال، عن جدارة، جائزة بيت الشعر المغربي لسنة 2005. والشاعر الحكماوي سبق له أن أصدر ديوانا أولا صغيرا، لم يلتفت إليه النقد المغربي والعربي، للأسف، بعنوان مثير هو "شهادة عزوبة" عن دار جلجامش الباريسية التي كان يشرف عليها الشاعر العراقي صموئيل شمعون.
ينضح الديوان بقدرة غريبة على التوليف بين مرجعيات عربية (بقديمها ومعاصرها) ومرجعيات غربية (أسماء أعلام غربيين) في شقها الحداثي وما بعد الحداثي. ثقافة هامة يتمتع بها الشاعر ساعدته على خلق مفارقات مذهلة. يأتينا الشاعر من حيث لا نحتسب. وكأنما يحاول أن يكتب قصيدة جيله أو زمنه. القصيدة التي لا تعني شيئا، بالنسبة للذين يبحثون عن القضايا الكبرى في القصيدة. القضية الكبيرة التي يدافع عنها الشاعر الحكماوي أو ديوانه تبقى هي الأشياء الحميمة والشخصية. هي اليومي في قسوته وسطوته، وأحيانا في سعاداته القصيرة. هي الخيبات(خيبات الأمل) التي تكشف عن أن الشاعر يظل لا شيء، أو لا فاعلا أمام العالم القاسي والدموي. ولكن الشاعر يمتلك أدوات سحرية للمقاومة، تتمثل في السخرية والضحك وفي ملامسة مواضع الألم بكثير من الانخراط الشخصي ومن المزاوجة ما بين الأنا والآخر، وكأنه يحقق لوحده، على طريقته، حوارا للحضارات أو حوارا مع الآخر، باختلاف مشاربه واختلافاته .
لا يطالب الشاعر، في عنوان الديوان، بأكثر من الذهاب إلى السينما، ولكنه ذهاب واعٍ وما على القارئ إلا أن يفكر في الأسماء (أسماء الممثلين والمخرجين وأسماء الأفلام) "هامستر الدنيا"، قصيدة قصيرة تتحدث عن الشاعر، وهو يذكر بالاسم اسمه "جلال الحكماوي"، من دون تنبيه يضعه المؤلفون (كل تشابه مع الكاتب هو من محض الصدفة).
"تركتُ الممثلة الصاعدة على شاشة أرض أخرى/صوّرت المشهد الأول من بربرية الشمس/ضاقت عيني بضوء الأخوة/ (صارت لي ملامح تاكيشي اليابانية)." (ص17) أنظر إلى جلال الحكماوي/ (نفسي؟)/مخلوقا آنيا من ذهب الجاهلية" (18)
وتعتبر قصيدة "شاعر شابّ بسروال جينز" من أجود القصائد تعبيرية، كما أنها جميلة أيضا لأنها تتحدث عن الشعر أيضا. ربما هي أيضا قصيدة يكتبها الشاعر عن نفسه. من يدري؟ السمات الشخصية، ولكن التي قام بصهرها بتفاصيل الواقع، حاضرة.
تبتدئ القصيدة بهذه "المقدمة" التي تستحضر "الراحلة" (ناقة الشعراء): " لأن الشاعر الشابّ لم يتعود على ركوب ناقة/طرفة بن العبد/لأن طرفة بن العبد لم يستعمل الهاتف المحمول/ في السينما" (21) ويسترسل الشاعر في تفاصيله المفارقة "لأن السينما سئمت من أكل البيض/لأن البيض المقلي، مثلا، ليس الحلّ الأمثل/لشاعر شابّ لم يجد "صوتَهُ، بعدُ." (نفس الصفحة).
الشاعر لا يمكنه إلا أن يكون في خضمّ الحاضر بـ"أسنانه"، كما يقول: "لأن البارحة التي تقضم أمامي المعلَّقَات السبع/لها أسنان قوية كأسنان عترة البيضاء/لأن عنترة لا يفهم لماذا لا يقرأ/شباب هذه الأيام/بانت سعاد...شباب اليوم وسُعاد ينتظرون أمام مَرْقص باليما/لأنه مشغول جدا بالتناص، بقهوة لافازا المزورة/بصراع الشرق والغرب، بكتابة السجن، بلسانيات الدُّمى/بسبب الدمى ضيّع الشاعر الشابّ مفاتيحه أيضا/(في مَرقص باليما على الأرجح" (22-23)
جلالالقصيدة تتحدث عن هموم الشاعر الشاب، ربما كل الشعراء الشباب، والعرب على وجه الخصوص.
"الشاعر الشابّ الذي يلبس الجينز يحلم بالمشاركة/في مهرجان عالمي/لأن المهرجان يُعلّم الشاعر من أين تؤكل الكتف،/الأذن، القصيدة، الدمية وشورمة لو اللذيذة/عادة لا أحد ينتظر لو/لأن لو لا تطيق لَنْ/( بالرغم من توسّل أنسي الحاج الذي اشتعلت قصيدته غَيبا)" (23)
في خاتمة هذه القصيدة نعرف بأنّ مكانة الشاعر في المجتمع العربي بائسة، هي ربما نفس مكانة الإنسان العربي عموما.
"لن تلتهم كباباً وكفتة في النقابة/لأن الكباب لا يأكله الشاعر الشابّ/الذي يلبس الجينز الممزق عند الركبة/إلا بعد الأربعين أو الخمسين" (23-24)
السبب بسيط كما يورده الشاعر، لأنه:
" بعد الأرٍبعين/نحدق في سوبر ماركت الجاهلية بحياد/ لأن الشاعر الشابّ لم يتعود على ركوب ناقة/عنترة بن شداد" (24)
تحضر شخصيات وأسماء وأعلام هامة من تاريخنا العربي ولكن الشاعر الحكماوي يجعلها معاصرة لنا وتشاطرنا وتقاسمنا حياتنا اليومية. في قصيدة "المتنبي" "تلمس يد المتنبي نسور كتفي" (32) و "تلمس يد المتنبي آلاف كتفي" (33)
كل شيء يخضع في قصائد الحكماوي لمساءلة أو لمعاملة ساخرة من الشاعر. في قصيدة "أنف آل بّاتشينو"، يستعرض الشاعر بكثير من الدهاء، ظهور المد الأصولي، ولكنه لا يلعب دور السياسي أو المناضل، وإنما يسخر من انتشار البِدَع والشعوذات وتأثيرها على الشاعر والإنسان العادي الذي يعشق الحياة والسينما. "جئتُ إلى هذه الأرض المدلهمة/بأنف آل باتشينو/ (آل بّاتشينو الحقيقيّ ينظر إلى أعلى) /لأرى أبناءها يرقصون على دفوف القيامة/ويشقون ملابسهم ليخرجوا ليخرجوا منها/رُضّعا شدادا غلاظا/ويضربون بأكمامهم على بطن الرسالة الشرقية/يهاجمون ملصقات السينما السينما.../ يمزقونها إربا إربا/ويضعون مكانها صورة رجل اسمه/عذاب القبور/ (يصافحه بوش الابن بحرارة)" (30-31)
الديوان يضمّ 19 قصيدة يتراوح حجمها ما بين الصفحة الواحدة والأربع صفحات، وهي تكشف عن أسلوب متقارب ونكهة ساخرة تمنح القصيدة المغربية والعربية، آفاقا جديدة للتجريب والاكتشاف.
ولعل القارئ العربي، المتعود على الخطابة الرنّانة والمواقف الكبرى سيخرج من قراءته بمتعة مختلفة، هي بالتأكيد متعة الشعر في ذاتيته المفرطة والحميمية.

عبد الإله الصالحي في «كلما لمستُ شيئا كسرتُهُ»
القصيدة المغربية الجديدة لا تنسخ ولا تقطع لكنها تتمرد
باريس: محمد المزديوي
ديوان الشاعر عبد الإله الصالحي تأخر في الصدور. لأن الشاعر المغربي المقيم في باريس منذ أكثر من عشر سنوات يكتب منذ فترة طويلة، وساهم في إصدار مجلة حداثية رفدت الثقافة المغربية الراكدة بالكثير من الأسئلة المخلخلة. نقصد مجلة «إسراف» التي كان لها الفضل في تشجيع الكتاب الشبّاب على التمرد. توقفت المجلة، لصعوبات مادية، لكن الشاعر لم يتوقف أبدا عن التفكير في موارد تأتي من مكان ما، لتصحيح القِصر.

هذه السنة غَالَبَ الشاعرُ عبد الإله الصالحي كسلَهُ، وأصدر الديوان الأول عن دار نشر «توبقال» المغربية. في مثل هذه الحالات، دائما ما يُطرَحُ سؤال الإضافة التي يمكن لشاعر أن يقدمها. والسؤال مشروعٌ ما دامت الحركة الشعرية المغربيّة تعرفُ حيوية لا يُستهانُ بها، والقصيدة المغربية تتمتع بأجواء من الحرية لا تحد منها إلا الرقابة الذاتية.
في ديوانه الأول يكشف عبد الإله الصالحي، عن انتمائه لجيل من الشعراء المغاربة الذين دفعوا بالقصيدة إلى مستوى من الذاتية لا نظير له، ونقصد بالخصوص الشاعر المغربي الرّاحل محمد خير الدين. يعلن عبد الإله الصالحي، عن هذه الذاتية، باعتبار القصيدة كتابة فردية بامتياز، بدءاً من العنوان الجميل «كلما لمستُ شيئا كسرتُهُ» (لقد ترك الناشرُ الماكرُ العنوان من دون تشكيل، ومن هنا تجوز قراءته أيضا كلما لمستِ شيئا كسرتِهِ)، وهنا يمكن أن نَعتبرَ الديوانَ رسالةَ حبٍّ طويلة إلى امرأة طائشة.
تأثير الشاعر محمد خير الدين ليس هو الوحيد في الديوان، إذ أن الصالحي يتمتع بإتقانه للغتين الفرنسية والإنجليزية (وهنا ينتظر قريبا صدور ديوانه باللغة الفرنسية، كما أنه شارك بقوة في مجلة التعامديين الفرنسية les perpendiculaires. يعلن الشاعر من البداية أن زمن الانتصارات الكبرى ولّى من دون رجعة. وليس من العيب أن يعلن الشعر، في قمةِ وفاءٍ لزمنه الشعري والحياتي السوسيولوجي، عن انكساراته بلغة جميلة منسابة.
يعرف الصالحي أن العَالَم أصبح قرية كونية. هذا الوعي الحاد جعله يمنحنا قصيدة لا تختلف كثيرا عن قصيدة أيّ شاعر آخر، غربيا كان أم عربيا. فما دام شاعرنا يعيش في بيئة كوسموبوليتية فليس من الغريب، أن يكتب نصّاً يمكن لأي شاعر فرنسي أو أميركي ـ لاتيني يعيش في الغرب، أن يعثر على أجزاء من حياته فيه. إن عبد الإله الصالحي بهذا يكتبنا نصَّنَا الشعري جميعا.
31 قصيدة تتوزع الديوان، تُقرَأُ بسهولة كبيرة، وكلّ واحدة منها تُعبّر عن حالة. اليومي يحضرُ بقوة، ولكن هذا اليومي لا يأتي بصفة مفضوحة، بل إن الشاعر يقدمه لنا على طَبَق باذخ وموغل في الانسيابية.
في قصيدة جميلة تحمل عنوان «شكرا جزيلا جيل دولوز» (أهداها إلى السوسيولوجي الجزائري قدّور زويلاي)، هي ربما من أجمل قصائد الديوان، يستحضر الشاعر الفيلسوف الفرنسي الراحل الكبير (ما أحْوَجَنَا إلى هذا المفكر في زمن ساركوزي وفيلكلكروت!) ليسائل الحياة اليومية والمعيش القاسي في أرض الغربة.
«كانوا يستشهدون بك / ويهمسون باسمك / كنبيٍّ قادم من بعيد / تصدح منه موسيقى لا يُشق لها غُبار. لم تكن فرنسيتي تسعفني حتى لشراء الخبز / لكن رنين اسمك / في المناقشات الجانبية كان له سحرٌ خاصّ / طالما أخجلني من فرط الجهل. الهجرة شيء مقدس، قلت ذات مرة. / لم يقلها أحد قبلك ولم يجرؤ على ترديدها أحد بعدك. في هذه البلاد التي تزوجناها عن حب / أنا ومحمد وعبد القادر وفاطمة / وعرب آخرون تضيق بأسمائهم المغبّرة هذه القصيدة. / حتى الآن لم أعثر على أحد يشرح لي طلاسم عبارتك المبهمة. / القوانين تقولُ العكس من حكومة لأخرى / والبوّاب فرنسي من أصل برتغالي / ويحتقر الفلاسفة. خجلتُ مرة من جهلي العميق بك / وكرهت نفسي بعربية فصيحة / رغم تأفف صاحب الجريدة الزنجي. / الهجرة حقّ مقدسٌ / عبارةٌ يكفي أنها قيلتْ ذات يوم. / لكي أستيقظ كل صباح / محتميا بك يا جيل دولوز».
أجواء القصيدة تمتح باليومي الذي يقبله الشاعر ويتحايَلُ عليه، إذ إن زمن قلب كل شيء وإحداث ثورة عارمة انتهى. يبقى فقط التطويع، وتبقى المُداراة.
في قصيدة «أمنية»، نقرأ: «أتمنى ألاّ تشبهني قصائدي أبدا / فأنا رجل عصبي لا صبر له / بطني متهدل / وأسناني الأمامية شديدة الصفرة / كما أنني نذلٌ / وتنقصني الكرامة».
أي واقعيّة أكثر من هذا. ورغم أن الوقائع مؤلمة، لم يتردد في التصريح بها. ولّى زمن التجميل والتنميق، وأصبح الشاعر لا يتحرج من وصف قدره.
وما دام الجمهور أو القطيع لا قدرة له على التدخل، فمن يستطيع أن يمنع الشاعر من التغني بأشجانه. من هنا تستطيع قصيدة النثر أن تلتقط تفاصيل الحياة وتعبر عنها، جنبا إلى جنب مع الرواية.
في قصيدة «أُبوّة»، وهي أقصرها جميعا، يكتب الشاعر عن ابنه الصغير، ما لن يستطيع الشاعر الكلاسيكي أن يقوله حتى وإن أحس به: «عندما وُلدتَ بكيتُ / خوفا عليكَ وعليّ / ويئستُ بحرقة. بلغتَ الآن ثمان سنوات / وكلما رأيتُكَ - مرة في الشّهر- / تجدد يأسي من الحياة». (25)
نص في غاية الشفافية والبوح. والاعتراف يذهب إلى أقصى مدى «تجدد يأسي من الحياة».
في نص «مجرّد عابر» يدفع الصالحي بالقصيدة إلى مواقع متقدمة في إدانة الأوضاع الاجتماعية، ويصرخُ: «في القطار السريع بين الرباط والدار البيضاء بكينا بحرقة / تبادلنا تهما خفيفة / وسمينا الإحباط مراكش. في الشوارع يتسيّد الزيف بِصيغ واثقة / ويلمع كلوحة إعلان مستوردة. / تمسك الأمهات بتلابيب بناتهن بحزم مبالغ فيه / ويتفنن الشحاذون في العويل. / رجال المخابرات يجربون معجما جديدا».
القصائد كلها، تضع اليد على الجرح، وتسائله. لا تتردد في الإعلان عن الخيبات، ولا تبالغ في الأمل، إذْ إن الأمل الكاذب يشي بالعمى. الصالحي (لم يصل بعد إلى الأربعين)، في هذا الديوان، صحبة شعراء شباب، من أمثال جلال الحكماوي وإدريس علوش وطه وعدنان وياسين وإدريس علوش وأزغاي، هم بصدد بناء القصيدة المغربية الجديدة، التي لا تثير قطيعة مع ما سبق لكنها، في نفس الوقت، لا تنسخه.
يبقى أن نشير إلى أن أي قارئ لهذا الديوان لن يخرج، بالتأكيد، لا مباليا، وهذا لعمري جدوى القصيدة الحديثة.

الخميس، 27 سبتمبر 2012

محمد المزديوي
Mohammed EL MEZDIOUI



mohammed el mezdioui paris




رغم محاصرته بسبب معاداته للثقافة الصهيونية
مارك إدوار ناب يصدر كتاباً جديداً ويتنافس على جائزة أدبية
2010-10-23 
باريس - محمد المزديوي 
ليس سراً أن الكاتب الفرنسي مارك إدوار ناب من أهم الكتاب الفرنسيين، حالياً (27 كتاباً في دار النشر الشهيرة غاليمار وغيرها)، رغم سطوة الميديا في فرنسا، وسقوط الثقافة والبرامج الثقافية بين أيدي ثلة من المتصهينين، تحدّث عنهم وعن دسائسهم وصناعتهم لراهن الثقافة الفرنسية، اليوم، الكاتبُ الفرنسي الكبير رونو كامو، في كتابه المثير للجدل «بادية فرنسا»، قبل أن ينهار بسبب الهجوم الصهيوني، ويعتذر لهم، ويؤسس حزباً سياسياً، شغله الشاغل هو محاربة الإسلام والمسلمين، ولكن مارك إدوار ناب، وهو ابن عازف الجاز الشهير مارسيل زانيني(من أصول إيطالية)، كما أنه عازف جيد على القيثار، ويشارك أباه أحياناً، كما أنه من أهم المضطلعين بثقافة الجاز الأميركية، مُحاصَرٌ، بالمعنى الحقيقي للكلمة، إذ بسبب آرائه المعادية للصهيونية، حرم من البرامج الثقافية في التلفزيون الفرنسي (انهال عليه مرة الصحافي بن عمو، وهو صهيوني، بالضرب وأدماه، كما أن البرامج القليلة التي تستدعيه تُحرّف بعض كَلِمِه، وتشوه مراميه)، كما أن الصفحات الثقافية الفرنسية لا تقبل الحرية التي يعبر عنها في كتابته ولا ميوله السياسية، فهو من الفوضويين اليمينيين والمعادين للصهيونية، وحتى دور النشر الفرنسية قاطعته، فقرّر، مُكرهاً، الاتجاه للنشر الذاتي، وأصدر كتابه الجديد، واختار له عنواناً مثيراً، «الرَّجُلُ الذي توقَّفَ (أوقف نفسه)عن الكتابة»، ولأنه قرر مقاطعة القنوات العادية لتجارة وتسليع الكتاب فالكتاب يُطلب من موقع الكاتب مباشرة، مع دفع رسوم البريد: (www.marcedouardnabe.com).
والغريب أن تناول موضوع هذا الكاتب، الموهوب، والذي بدأ الكتابة في وقت مبكر جداً (من مواليد 1958)، وسط إعجاب شديد من الوسط الباريسي للثقافة، في هذا الوقت، دليل على أن الكتابة الأصيلة لا تضيع رغم كل الحصارات وكل التضييق، ولم يكن مفاجئاً أن يورد ملحق صحيفة «لوموند» للكتب، هذا الأسبوع، خبراً عن ورود اسم مارك إدوار ناب في قائمة المتنافسين على جائزة رونودو، ولو أن ثمة عقبات قادمة واختيارات أخرى، يمكن أن تحيط به وتمنح الجائزة لكاتب «مقبول» و «محترم».
الدروس المستفادة من عودة الابن الضال للأدب الفرنسي كثيرة، منها أن ثمة من الكتاب الفرنسيين، أعضاء تحكيم الجائزة، من لا يزال موضوعياً ويمتلك حرية إغضاب القطيع أو السائد، ومن بينهم الكاتب «باتريك بيسون».
وإذا كان الكثيرون هاجوا لمجرد ورود اسم مارك إدوارد ناب في القائمة غير النهائية، بسبب قدومه من غير الطريق العادي للكِتَاب وتسويقه، أي من دار نشر معلنة «ومحترمة»، فإن الكاتب بيسون ذكّرهم بأن النشر الذاتي، كان معروفاً في الماضي، ويورد بعض أسماء الملتجئين إليه وعلى رأسهم، دوستويفسكي وتولستوي، فلِمَ لَوْم مارك إدوار ناب، وحده؟!
لا يُعوّل مارك إدوار ناب، كثيراً على الجائزة، فثمة مطبّات كثيرة في طريقها، ولكن هذه الدعاية المجانية، تساعده على زيادة مبيعات كتابه، ويستطيع «أبله باريس»، وهو عنوان لصحيفة مشاكسة أصدرها قبل سنوات، قبل أن تختفي، أن يفخر بكونه يحصل على %70 من قيمة الكتاب (عادة ما يحصل الكاتب، في الغرب، على %10 من حقوق المؤلف) في حين أن %30 تذهب إلى المطبعة.
ولمن يعشق الجاز، فما عليه، حين زيارة باريس، إلا اقتناص السهرات النادرة التي ينجزها الأب العجوز، في مطعم «لوبوتي جورنال»، وبرفقة ابنه الكاتب، عازفاً للقيثار، في انسجام فني رائع.
في كل مكابدات الكاتب وأشكال الحصار عليه كان أبوه حاضراً، وبقوة. ويأتي، بعد كل هذا، مَنْ يطالبنا بقتل الأب (رمزياً، نقصد، حسب فرويد!).

مدينة فاس تستعيد ابنها محمد برادة وتمنحه جائزتها
مؤسسة «نادي الكتاب» تناقش «الشتات المغربي»
محمد برادة
فاس: محمد المزديوي
ارتبطت مدينة فاس المغربية بالكاتب والناقد المغربي محمد برادة وارتبط بها. ومن هنا كان قرار الدورة الرابعة لـ«مهرجان فاس المتوسطي للكتاب» الذي انعقد من 21 إلى 26 أبريل (نيسان) الماضي، الذي يديره، باقتدار، الأستاذ عبد الحق اصويطط، منح جائزته أي «جائزة فاس للإبداع»، لابن هذه المدينة البار.
ولَكم كان أسي محمد برادة أجدر بهذه الجائزة من سواه، وهو ما أكدت عليه وجوه كبيرة من الثقافة المغربية، محمد السرغيني والعربي المساري ورشيد بنحدو ومحمد بوخزار ومحمد عز الدين التازي وحسن نجمي وفاطمة الزهراء أزرويل.
ولعل في هذه الفقرة من نص لبرادة يخاطب فيه مدينته فاس ما يدل على ثقافة الرجل الكبيرة، وتسامحه: «تقول لي طفولتي وما اختزنته ذاكرتي من حفلات الأمداح والذكر، وليالي الموسيقى، بأنكِ لم تكوني قطّ المرأة البيضاء، ذات النَّسَب والحسَب، بل كنت دائما تحملين بصمات التهجين المخصِب الذي لا يرضى بالاستكانة إلى صفاء العِرق ونقاوة السلالة».
وقد جاء برنامج هذه الدورة الرابعة التي جعلت من موضوع «الثقافة المغربية في المهجر» مرتكزا للبرنامج، حافلا، من حيث انفتاحها على مغاربة العالم، باعتبارهم جزءا مكوّنا للثقافة المغربية، هذه الثقافة الواحدة والمتعددة في آن. ولهذا السبب تمت دعوة الكثير من المبدعين المغاربة المقيمين في دول مختلفة من أجل التعارف بينهم ومن أجل مناقشة موضوع الدورة وهو الدياسبورا أو «الشتات».
وقد حصل الكثير من الجدل، وهو من حسنات مثل هذه الندوات واللقاءات، حول موضوع «الشتات». هذه الكلمة التي تحيل إلى أصل ومرجعية دينية يهودية (الشتات اليهودي، وكل ما له من علاقة بالتيه)، ثم سرعان ما رأيناها تمتد إلى شتاتات مختلفة، من بينها، ولعله من أشهرها، الشتات الأرمني والآيرلندي والفلسطيني وغيرها. ولعل ثمة ما يجمع بينها، من حروب وإبادات وتسفير، لكن المثال المغربي لا ينساق بسهولة إلى هذا الاستدراج المصطلحي.
النقاشات، التي يُتمنى تجميعها في كتاب، كانت مفيدة، وخاصة مداخلة الناقد والأكاديمي المغربي الكبير رشيد بنحدو (الفائز بجائزة المغرب للنقد الأدبي لسنة 2011 عن كتابه «جمالية البين - بين»)، في موضوعه الشيق الذي قارن فيه ما بين الأدب البوري (وهو مصطلح نحته الناقد، ويخص به الأدب الذي يكتبه فرنسيون من أصول مغاربية، Beur) والأدب الدياسبوري (أي المتعلق بالشتات)، وركز فيه على مبدعين من يهود المغرب العربي.
يضاف هذا المصطلح «دياسبورا» إلى مواضيع أخرى، من قبيل المنفى والهجرة، ولعل قراءتها ومناقشتها في زمن العولمة يمنحها طعما آخر. وهو ما منح هذا اللقاء أهميته وضرورة انعقاده.