| الروائي والكاتب خليل النعيمي لـ «العرب»: | |
| كتابتي عن الأمكنة تكاد تكون كتابة سرية للرواية | |
2009-07-18
حاوره من باريس: محمد المزديوي يستعد الجرّاح والروائي والرحالة العربي خليل النعيمي لنشر نصوصه الجديدة عن رحلته إلى أوزبكستان، حيث تتبعَ بعض خطى جده الحكيم والفيلسوف ابن سينا وتأمَّلَ طريق الحرير وكذا الطريق التي تتبعها تيمورلنك وهولاكو، وآخرون في رحلتهم المدوية حتى انكسارهم على أبواب دمشق (بالطبع ليست "دمشق 67" وهي رواية للكاتب).. وقد صدرت، منذ فترة قصيرة، طبعة ثانية لكل من رواية "تفريغ الكائن" ورواية "الخلعاء" (التي كتبت بجرة قلم واحدة، ومن دون نقاط ولا فواصل) وقد التقيناه في باريس، مدينة إقامته، وهو عائد للتو من لقاء هام حول أدب الرحلة وارتياد الآفاق عقد في الرباط (بالتنسيق بين مديرية الكِتَاب التي يديرها الشاعر حسن نجمي وبين مؤسسة "ارتياد الآفاق" التي ينسق أعمالها ودورياتها الشاعر السوري المقيم في لندن نوري الجراح) .. وكان هذا الحوار اللافت والصريح والشامل عن البدايات الباريسية والصخب الثقافي الباريسي (الذي خَفتَ كثيرا) وعن "موت الشعر" وعن أدب الرحلة وغيرها. - نريد أن نعرف بدايات الدكتور خليل النعيمي الباريسية؟ * عندما وصلت إلى باريس في منتصف السبعينيات، بعد أن أنهيت دراسة الطب والفلسفة في جامعة دمشق، وبدأت تسجيلي في باريس في السوربون للتخصص في الجراحة ولمتابعة الدراسة في الفلسفة السياسية المعاصرة، كانت باريس، آنذاك، في قمة نشاطها الفكري والإبداعي، وأكاد أقول والجنسي أيضاً، لأن هذه السنوات القليلة التي تلت ثورة الطلاب في سنة 1968 كانت قد انفتحت على حركية اجتماعية سياسية هائلة، خاصة في الحي اللاتيني. وأتذكر، الآن، أنني حين كنت أهبط شارع "سان ميشيل" من ليكسمبورغ حتى نهر السين، كنت ألتقي بعشرات من المحلات والأكشاك التي تبيع الجرائد، وبخاصة الجرائد الثورية، جرائد الفوضويين: "الإباحي"، و "العالم الإباحي"، و "الطريق"، وجرائد الحركات السياسية المتمردة الأخرى التي كانت تُباع على الرصيف، ونشرات حركة الـ "situationistes"، و"اشتراكية أو بربرية"، بالإضافة إلى الجرائد والمجلات المعتادة. وكانت الفئات اليسارية في فرنسا في تلك المرحلة نشيطة جدا وتقيم الاجتماعات واللقاءات التي تكاد تكون يومية. والحركة السياسية في أوج نشاطها. - القليل فقط من الكتاب والمثقفين يعرفون أنك أسهمت في إثراء الجدل والنقاش والمعارك الثقافية والسياسية في باريس، إلى جانب أسماء كعبدالقادر الجنابي والتونسي العفيف الأخضر، كما أنك أصدرت كتاباً لافتاً بعنوان "موت الشعر".. فهلاّ حدثتنا عن هذه الأشياء؟ * في هذه الفترة التقيتُ بأصدقاء عرب وصلوا أيضاً مثلي للتو إلى باريس، كان هناك شلة من الشباب الذين يهتمون بحال المجتمع العربي، والذين كانوا يبحثون عن منظور آخر للحركة السياسية العربية، لأننا مبكراً، في ذلك الوقت، بدأنا نحس أن الوضع السياسي العربي راكدٌ وسكونيٌّ ولن يؤدي إلى نتيجة، وأن الحركات العربية السياسية، خاصة في شقها اليساري الذي كنا نسميه في ذلك الوقت بـ "الشق الستاليني"، هي حركات أُفُقُها مسدود، وليس لديها منظور تاريخي. كانت تبدو لنا حركات كسيحة، ومشوِّهَة، أقصد أنها تشوِّه الواقع والتاريخ، وأتذكر أن أحد الأصدقاء كان يقول لي مبكراً إن الامبريالية السوفييتية ستنتهي قبل أن تنتهي الإمبريالية الأميركية، وكان هذا القول بالنسبة لي، آنذاك، وأنا القادم للتو من دمشق المحافِظة، نوعاً من التجديف، لأنني كنت أتصور أن الاتحاد السوفييتي بعظمته وأيديولوجيته التي هيمنت على العالم الثالث لعقود طويلة سيستمر أكثر من ذلك، وسيعمّق مسيرته الاشتراكية. هذا اللقاء "الباريسي" بالحركة السياسية الهامشية، عربياً، كان له تأثير عميق على توجهاتي واهتماماتي، حتى في مجال الكتابة، ولا تنسَ أنني وصلتُ إلى هنا، و "فكري" ملتبس وبليد، مع أن توتّراتي كانت في أوجها. هذا اللقاء العربي المنفَلِت معهم، والذي ترافق، بطبيعة الحال، بلقاءات أخرى مثيرة، وبخاصة مع "ثقافة" الفلاسفة الفرنسيين النقديين الذين أنشؤوا ما يمكن أن نسميه حركة الـ "situationistes"، أو فلسفة الأوضاع، وهي حركة ألقت الضوء بشدة على الخاصية الراكدة أو الساكنة أو اللا متحركة للفكر اليساري العالمي الذي كان سائداً آنذاك. هذه اللقاءات المتوترة والخاطفة هي التي ستهزّ أركان تكويني النفسي والعقلي والإبداعي. وكان أحد أهمّ الأسماء في هذا التيار، تيار الثقافة النقدية المُجدِّد هو "غي دوبور" الذي كتب "المجتمع المشهدي"، وقد كان أحد الأعمدة الأساسية في ذلك الحين، كان هناك، أيضاً، إلى جانبه صديقه "فانيغيم" الذي كتب أكثر من خلاصة ومن كتاب يعالج فيها وضع الإنسان في المجتمع الرأسمالي. وتكمن أهمية هذه الحركات في أنها كانت ترفض النهج الستاليني، وحتى التروتسكي المتشدد، وتحاول أن تخلط "ماركس" بـ "هيغل"، وهي تكاد تكون على حافة الحركة الفوضوية، إنْ لم تكن "فوضوية نقدية" بحق. ومهما يكن الأمر فقد شغفَتْني الحركة الفوضوية والتي كنتُ، أنا أيضاً، وإلى سنوات عديدة، أعتبر نفسي تابعاً لها. - هل ظهر كتابك "موت الشعر" في هذه الفترة؟ * في هذه الفترة أصدرتُ كتيّبا صغيرا اسمه "موت الشعر"، وهذا الكتاب صدر في باريس عن دار نشر صغيرة، وأُعيد طبعه في مجلة دراسات عربية الصادرة عن دار الطليعة، في بيروت. هذا الكتيب اعتمد على دراسة لشعر أدونيس باعتباره أحد كبار الشعراء العرب الأحياء، وانطلَقَ من نظرة خاصة إلى دور الشعر وارتباط الشاعر بالسلطة، وعلاقة الشعر بالجمهور وبالتالي محدودية التأثير النقدي للشعر في الفكر الإنساني على المستوى السياسي وعلى مستوى الوعي أيضاً. لكنني فيما بعد لم أتابع هذه الأطروحة التي ضمّنتُها في "موت الشعر". - من المفروض أنك جئت إلى باريس لدراسة الطب، لكنك لا تكاد تذكر هذا الجانب حين تتحدث عن بدايات باريس وتركز أكثر على الجوانب السياسية والفلسفية والفكرية.. فهل لأنك مأخوذ بالثقافة أكثر؟ * أتصور أن السبب في ذلك هو شغفي بفكرة المجتمع، فأنا كبدوي نشأتُ في الصحراء وكبرتُ فيها، تعلمتُ صدفة ودخلتُ الجامعة فيما بعد، لأدرس الطب والفلسفة، كانت تحركني رغبة عميقة في التواصل مع الآخرين، كنت أتصور دائما أنه لا يمكن أن ننفذ إلى قلب الكائن إلا عبر الفكر، وأن العمل المادي، جراحياً أو غير جراحي، ليس وسيلة أكيدة لتقريب الناس بعضها من بعض، وأن العمل بعلاقاته الاجتماعية المزيفة، غالباً، ما يكون مصدر نفور وإرهاق. ولأنني من عائلة أُمّية، ومن قبيلة أُمّية بالكامل، صرت أحس بقرابة عميقة مع المفكرين والفلاسفة والكتاب الذين أقرؤهم، كانوا هم آبائي الحقيقيين، حتى أنني عندما زرت أثينا، وصعدت إلى صخرة الأكروبول، كنتُ أكتب برأسي، وأنا أَرْقى، الُجمَل التالية: "يصعدُ الجبلَ بعد عشرين قرناً الرجلُ الذي جاء من بادية الشام. يصعده باحثاً عنهم، عن آبائه، الذين عرفهم أكثر مما عرف أباه". هذا المقطع يلخص تقريباً اهتمامي العميق بالفكر وبالكتابة وبالأدب، لأنني أتصور أن الانتقال من مجتمع بدوي مسطح وأفقي، وهو مجتمع إلى حد ما غير تراتبي ولا تراكم فيه، لا للثروة ولا للمعرفة، إلى مجتمع مثل المجتمع الدمشقي ثم المجتمع الباريسي، بعد ذلك، جعلني أحس بأهمية الاتصال بالآخر، وأبحث عن طريق أكثر حميمية وعمقاً، غير طريق المهنة، للوصول إلى ما أُريد، ووجدتُ أن الكتابة، والرواية منها بشكل خاص، قد تكون أفضل الوسائل لبلوغ ذلك. ولا بد، أن ثمة مسالكَ أخرى للتفسير، لكن تفسيري هو هذا. - تحدثت عن "موت الشعر"، والتجأت إلى كتابة الرواية، ولك العديد منها.. فهل هذا الزمن هو زمنُ الرواية؟ ثم إنك تكتب أدب الرحلة إلى جانب الرواية.. فهل الرواية عاجزة عن قول كل ما تريد أن تعبر عنه؟ * بدأتُ نشاطي الأدبي شاعراً، وأصدرتُ أول كتاب لي وهو ديوان "صُوَر من ردود الفعل لأحد أفراد العالم الثالث" وكنت طالباً في كلية الطب في جامعة دمشق. والديوان مُنِع في دمشق بعد أسابيع من صدوره، مع أنه تمت الموافقةُ على طبعه وتداوُله. صُودِر، وأُعْدِم، ولم يبق لديّ منه إلا نسخة واحدة للذكرى. قد يكون ذلك المنع التعسّفي، عاملاً من عوامل هربي من الشعر، أو هرب الشعر مني، إذا أردنا الدقة. وعلى أي حال، كنتُ في ذلك الوقت، أقرأ كثيراً، والتقيتُ بديستوفسكي وجعلتني قراءتُهُ، هو بشكل خاص، إضافة إلى كتاب آخرين، أنتقل من طور إلى طور. من طور الوعي الشعري المُسطَّح العاطفي البرّاق اللفظي الذي يكاد يكون لَغْواً، إلى طور آخر. طور جعلني أقشعرُّ تحسُّساً، وارتباكاً. جعلني أعيد النظر في علاقتي الشخصية بكل شيء تقريباً. وهو شعور كان بالنسبة لي في ذلك الوقت لا يمكن تصوّره، لأنه، ببساطة، يقع في نطاق المقدّس الذي لا يخطر التفكير فيه، حتى مجرّد التفكير، على البال. مع ديستوفسكي، أدركتُ أن على الكائن أن يشك في كل شيء. حتى بعائلته، في أهله، في أبيه، في أخيه. في هذه الأثناء حدث، فجأة، ما يشبه القطيعة بيني وبين الشعر. - كيف انتقلت إلى أدب الرحلة؟ * أنت تعرف أنه قد صدر لي قبل الآن، سبع روايات وثلاث كتب حول الرحلات... الكتاب الأخير "قراءة العالم" حاز على جائزة ابن بطوطة للرّحلة المُعاصرة، التي تمنحها دار السويدي في أبو ظبي. أما لماذا التجأتُ إلى كتابة الرحلة؟ فمنْ يدري؟ لكنني أستطيع أن أُبَسِّط الأمر فأقول إن انتقالي من دمشق إلى باريس وانتقالي من قبل من البادية إلى دمشق فتّح عينيّ، بعمق، على أهميّة المكان. وصرت أحسّ بشكل من الأشكال، بماهية العلاقة الخفية والسرية بين الكائن والمكان. وبدأتُ أرى ما يحيط بي بشكل آخر.. حتى أنني صرت أنظر إلى أبي وهو في الصحراء وإليّ وأنا في المدينة وإلى الآخرين وكأننا جزء من "الأمكنة" لا كائنات مستقلة عنها. وبدأتُ أخلط بين الكائن والمكان. وبالتالي فإن المكان لم يَعُد شيئا مجرَّدا.. لم يعُد منظراً ولا مَشهداً، ولم يعد حجارة وأنواراً وشوارع، فحسب. لقد صار بالنسبة لي "وضْعاً إنسانياً" له اعتباره الخاص. إنه كالكائن يحيا ويموت. أقصد يتجدد مثله ويهترئ. ثمة أماكن ننساها، ولا نعود نزورها. وهناك أمكنة تغدو، فجأة، "على الموضة"، يزورها الناس مع أنها لا تضيف لهم شيئاً. وإذا ما أردنا أن نذهب في هذا المنطق إلى آخره، نستطيع أن نقول: "إن المكان هو كل شيء في الوجود". واضح؟ للمكان حياته. له أبعاده وتعقيداته، وله معتقداته. لكن كتابتي عن الأمكنة تكاد تكون كتابة سرية للرواية، أو هي الرواية من وجهة نظر مكانية، بالأحرى. لأني عندما أحكي عن الأمكنة أجد لنفسي، أيضا، مكاناً، ولكن أين هو مكاني؟ - ولكن لِمَ تفعل ذلك؟ ما هدفك، أو غرضك؟ * ما يجعل كتابة الرحلة ممتعة هو شعور اختراق الحدود الفعلي عندما نرحل. وبالفعل نصير نحس أننا نتجاوز كل الحدود عندما نترك المكان الذي نحن فيه، الذي ألفناه، والذي عرفناه وأنشأنا فيه صداقات وأقمنا فيه علاقات إلى مكان آخر. في الرحلة يغدو تَرْك المكان المألوف شبه أسطورة. وهذا الإحساس الغامض هو نوع من العلاقة الحميمة، بين الكائن والمكان، قبل أي شيء آخر، فعندما نترك المكان المألوف وننتقل إلى مكان آخر، خاصة إذا كان المنتقل أو الراحل أو المسافر مبدعا أو كاتبا أو مفكرا فإن "الحدود" عنده تتقلص وتتلاشى كثيراً. وبالتالي يصير يشعُر بحرية أكثر. وقد يشْعُر أيضاً بأن كتابة الرحلة هي اللحظة الوحيدة التي ليس عليه أن يتقيد فيها بنمط معين، لا من حيث شكل الكتابة ولا من حيث المشاعر ولا من جهة الخطاب، فهي كتابة لا يتوجه فيها إلى أحد، أو على الأقل، هذا ما أحس به أنا. وهو ما أسمّيه أنا: "الكتابة المباشرة" لأنها كتابة حيَّة، آنيّة، تصف العلاقة العاطفية مع ما، ومَنْ، نرى ونعايش "على الحارك". هي لا "تُفَبْرك"، ولا تُزيِّف. هي أصدق الكتابات لأنها كتابة تفرضها علاقة المنظور وعلاقة الإحساس بين الكاتب وبين المكان الذي يتحرك فيه، في كتابة الرحلة ليس هناك رسالة، أو هي رسالة إلى مجهول. | |
السبت، 12 أبريل 2014
خليل النعيمي: "يصعدُ الجبلَ بعد عشرين قرناً الرجلُ الذي جاء من بادية الشام. يصعده باحثاً عنهم، عن آبائه، الذين عرفهم أكثر مما عرف أباه"
الخميس، 10 أبريل 2014
جهل الساسة المطبق بقضية فلسطين وتآمرهم عليها!
فيديو؛ لماذا وصف وزير خارجية المغرب، الذي أهانه البوليس الفرنسي، ولم ينتفض، مفاوضات التسوية بالمسلسل؟
لأنه، كغيره من الساسة العرب، جاهل بالصراع العربي الصهيوني، أو لأنه متواطئ...
لا حل إلا بالحل العُمري... ولكن هل يعرف هؤلاء أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه؟!!!!
Borges عن بورخيس ومراياه ...
|
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)
