شرطة الثقافة في فرنسا تحرم فرنسا الأدبية من الاحتفال بكاتبها الأعظم فرديناند سيلين
الرقابة هي فرنسية، أيضا
باريس. محمد المزديوي
23 يناير 2011
مرة أخرى يواصل الصهاينة الفرنسيون، أوصياء الثقافة، مُطارَدة الأدب الفرنسي، بدعوى معاداة السامية. وليس الأمر مسألة فردية، بل أصبح مناخا عاما. فبعد كتاب "بادية فرنسا"، للفرنسي رونو كامو، الذي اتهم فيه الصهاينة، قبل سنوات، بالاستيلاء على الإعلام الفرنسي، فتم منع كتابه، ولم يُطلق سراح الكتاب حتى صبغت باللون الأبيض الفقرات التي يتناول فيها هيمنة الصهاينة على الإعلام والميديا والثقافة. وأسلم رونو كامو نفسه للنوم حتى استيقظ، بعد غسيل دماغ (شارك فيه كتاب صهاينة من بينهم ألان فينكلكروت)، ولم يَعُد يرى أمامه من عدوّ سوى الإسلام والتطرف الإسلامي. إذنْ فالأمر ليس حدثا فرديا، بل إن الكثير من الأصوات يتم تكميمها ومطاردتها، كما أن النصوص والأصوات التي تريد أن تنتقد الهيمنة الصهيونية على الإعلام والميديا، تتعرض للمنع والتهديد. ولعل مثال العجوز هيسيل(الذي يتجاوز التسعين سنة)، الذي يُحارَب ويطارد وتمنع الندوات التي يشارك فيها، على الرغم من كونه يهوديا، بل وهو من المُرحَّلين من ضحايا النازية، دليل على أن الصهاينة قادرون على محاربة أبناء جلدتهم إن كان عندهم رأي يخالف الإجماع الصهيوني.
آخر مثال لضحايا الصهيونية الثقافية في فرنسا، هو الكاتب الفرنسي الكبير فرديناند سيلين، صاحب رواية "سفر في آخر الليل"، التي صدر سنة 1932 والتي تعتبر إلى جانب "البحث عن الزمن الضائع" لبروست، أهم روايتين فرنسيتين في القرن العشرين، وبالتالي فالروائي سيلين (وهم اسم جدته) وبروست يعتبران أهم روائيي فرنسا في القرن الماضي والأكثر ترجمة في اللغات الأجنبية.
وكان سيلين قد رحل عن عالمنا يوم 11 يوليو سنة 1961، أي قبل خمسين سنة تقريبا. وهو ما جعل اسمه يدخل ضمن قائمة كتاب عديدين تحتفل بهم فرنسا، ووزارة الثقافة الفرنسية، هذه السنة، ولكن الدوائر الصهيونية كانت بالمرصاد، فدفعت بعض أوصياء الثقافة ومن بينهم المحامي اليهودي الفرنسي سيرج كلارسفيلد، رئيس جمعية أبناء وبنات المرحلين اليهود، إلى التدخل وممارسة الابتزاز والتهديد ضد الساسة الفرنسيين، ومن بينهم وزير الثقافة الفرنسي الحالي، فريديريك متران ( الذي يعتبر غير كبير أهمية إذا ما قورن بالروائي أندري مالرو، وزير ثقافة الجنرال شارل دو دوغول، أو جاك لانغ وزير الثقافة في عهد فرانسوا ميتران)، ابن أخ رئيس الجمهورية السابق، ومسؤولين آخرين في الجمهورية، من أجل سحب اسم سيلين من قائمة المحتفى بهم. وكان لهم ما أرادوا. وها هو اسم سيلين، صاحب "سفر في آخر الليل" وأكثر الكتاب الفرنسيين، احتفاء باللغة والأسلوب الفرنسيين، غريبا في وطنه.
وإذا كانت شبهات معاداة السامية ظاهرة في بعض كتب سيلين، فهي موجودة في كتب نظرية، وليست في رواياته التي تعتبر احتفالا بالكتابة والأسلوب. وهذه الفكرة دافع عنها العديد من الكتاب الفرنسيين، الذين رأوا في انهيار وزير الثقافة أمام ضغوط الطائفة اليهودية، انهيارا للعلمانية الفرنسية، وتدخلا للدين في مجال الثقافة والأدب. وهو ما ليس بالأمر المقبول. ولو كان الأمر يخصّ الثقافة الإسلامية لكان الأمر غير ذلك. ويكفي أن المثقفين الفرنسيين ورئيس الجمهورية ساركوزي تداعوا جميعا للدفاع عن حق رسامي الكاريكاتير في تصوير نبينا الأعظم (ص)، دون مراعاة لشعور المسلمين.
الروائي بيير أسولين، وهو كاتب من أصول يهودية، ندد بمنع سيلين، واعتبر أن الأمر غباء كبير. ومن جهته أكد الفنان المسرحي فابريس لوشيني (الذي قرأ خلال سنة مقاطع من فصول سفر في آخر الليل لسيلين في أحد المسارح الباريسية بنجاح منقطع النظير) امتعاضه من منع الاحتفال ب الكاتب الفرنسي الكبير، وعبر، في سخرية ظاهرة، عن مخاوفه من منع رواية "سفر في آخر الليل"... ونبّه إلى حقيقة يتناساها الرقيب الغربي، وهي ضرورة الفصل بين حياة الكاتب ومؤلفاته، احتراما للأدب والثقافة.
قد يكون سيلين معاد لليهود، وقد كانه بالفعل، ولكنه، مع ذلك، وفوق ذلك، من أهم روائيي فرنسا والعالم...
حتى لا يقول قائل: الرقابة فقط موجودة في بلاد العرب!


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق