الخميس، 6 ديسمبر 2012
الأربعاء، 21 نوفمبر 2012
TADDIE تاديي وبرنامج اللانمطي... وحيد ضد موجة فاسدة
برنامج تلفزيوني فرنسي حر ومثير للجدل ضيوفه مشاكسون ومهمشون
الإعلامي فريديريك تاديي يشكل قطيعة مع ثقافة الرأي الواحد
باريس: محمد المزديوي
برنامج ثقافي خارج عن مألوف التلفزيونات الفرنسية، ضيوفه مشاكسون، مشاغبون وممنوعون من الظهور على الشاشات، ومحجوبة آراؤهم بالتواطؤ الضمني. انهم الآن ضيوف البرنامج الجديد الذي يعده ويقدمه فريديريك تاديي، ويمثل متنفساً للراغبين برؤية المختلف والمهمش. أي شيء أكثر إثارة ومتعة من رؤية الناشطة الفرنسية من أصول جزائرية حورية بوتلجة Houria Bouteld- وهي الناطقة الرسمية لحركة «أندجين الجمهورية»- تقارع الكاتب ألان فينكلكروت، غير ما مرة، أو تنتقد صمت السوسيولوجي واليساري الفرنسي السابق ألان تورينAlain Touraine على انبطاح المثقفين الفرنسيين أمام ساركوزي وأفكاره اليمينية... متعة كبيرة في الاستماع إليها، وهي تدافع عن أفكارها بقناعة وجدية كبيرتين. هذه الشابة المنحدرة من الهجرة دليل على أن ثمة نساء يختلفن عن أخريات ارتضين أن يمثلن دور الكورس لدى الحكومات الفرنسية المتعاقبة (من قبيل رشيدة داتي أو فضيلة عمارة أو غيرهما). فرصة رؤية حورية بوتلجة، كانت بفضل برنامج Ce soir ou jamais (يقدم خمسة أيام في الأسبوع) الذي يعده فريديريك تاديي الذي حصل مؤخرا على جائزة فيليب كالوني 2007 PHILIPPE CALONI المكرسة للموهبة ولحيوية الصحافي في ممارسة الحوار. اختار كالوني أن ينفتح على الكثير من الذين لا صوت لهم في المشهد الإعلامي الفرنسي. ومن الجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولى التي تدعى فيها بوتلجة لهذا البرنامج الجاد. وعلى الرغم من الفترة المتأخرة التي يُبثُّ فيها هذا البرنامج الثقافي، أي نحو الحادية عشرة ليلا، فإن برنامج (Ce soir ou jamais) الذي تبثه القناة الثالثة الفرنسية، يشكل استثناء كبيرا في المشهد الثقافي البصري في فرنسا. ليس معناه أنه البرنامج الوحيد، لكن البرامج الثقافية الأخرى، لا تولي كثير أهمية للاختلافات، ولما يثير الصخب والجدل ولا لشيء مختلف. صحيح أن ثمة برامج في إذاعة فرانس كولتور (فينكلكروت وألكسندر أدلير وغيرهما...)، وبرامج تلفزيونية في القنوات الأولى والثانية والثالثة أيضا، لكنها تتسم بالرّتابة وبكثير من التصنع، إن لم يكن دفاعا عن الأدب الرسمي. تاديي، المتهم، بإعجابه بالكاتب الفرنسي الراحل جون إيدرن هاليي Jean-Edern Hallier ، أحد مؤسسي مجلة «تيل كيل»، مع فيليب سوليرز، الذي كان الرئيس ميتران يعتبره من أهم كتاب فرنسا في القرن العشرين، لا يحيط نفسه، بكثير من النقاد الأدبيين (خصوصا من مسؤولي الصفحات الثقافية)، والمتخصصين الذي يعرفون الإدلاء بآرائهم في كل المواضيع، حتى في مسألة الشوارب، كما يقول أحدهم، على غرار العديدين من معدي البرامج الثقافية. الكثير من الذين حضروا برنامج تاديي أحسّوا بالارتياح لكونه، يتمتع بخصلة الإنصات، ويسمح لهم بالإجابة عن أسئلته، في حين لا يمنح الآخرون من مُعدّي البرامج الثقافية، الوقت الكافي لضيوفهم، ويمقتون لحظات الصمت التي تخترق الإجابات. وهو ما جعل الفيلسوف الفرنسي الراحل جاك ديريدا وبيير بورديو، على سبيل المثال، يرفضان حضور الكثير من البرامج التلفزيونية. ابتدأ عشق تاديي لهذه المهنة من خلال الاستماع للبرنامج الشهير «راديوسكوبي» لجاك شانسيل، ثم اشتغل في كثير من البرامج الثقافية والمنوعات، لكن أحلامه كانت منصبة على اليوم الذي يستطيع فيه أن يكون سيد برنامجه. البعض من الذين يستولون على البرامج الثقافية يلومونه لأنه يستقبل شخصيات (مارقة) ومثيرة للجدل، من قبيل المحامي الكبير جاك فيرجيس reçoit Jacques Vergés والكوميدي الساخر ديودوني Dieudonné (الذي كان في وقت ما نجم الصحافة الصهيونية الفرنسية وفنانها الأكبر حين كان يعادي اليمين الفرنسي، وأصبح شخصا غير مرغوب فيه حين تجرأ على انتقاد اللوبي الصهيوني وعلى استعراض معاناة الفلسطينيين). وتاديي منتقد أيضاً، لأنه يستقبل أمثال الكاتب الفرنسي الذي حُرِم من وسائل الإعلام الفرنسية العامة لمدة تُقارب العشرين سنة مارك - إدوارد ناب Marc-Edouard Nabe، بسبب أن كتاباته اعتبرت معادية للسامية. المراقب العربي أو غير الأوروبي، حين يرى، أحيانا، الخطابات التي يتم إنتاجها عن العالم العربي، في برامج إذاعية أو تلفزيونية، يمكن أن يحسّ بالصدمة، بالفعل، لأنه يبدو وكأن الفكر والواقع الفرنسيين لم يتغيرا، خصوصا حين يتم تجميع كتاب ومفكرين، كلهم، ويا للصدفة! متخصصون في الشؤون العربية والإيرانية وفي شؤون الإسلام، يذهبون في نفس الاتجاه فينهالون انتقادا على الفلسطينيين لأنهم لم يمدوا يدهم لتلقف حسن النوايا الإسرائيلية، أو انتقادا للخطر الإيراني، الذي لا تمثل أمامه إسرائيل النووية، أي شيء. يبدو الأمر، في هذه البرامج، التي تدعي الجدية، وكأنها تصديق من كل ضيف لآراء الآخر. في برنامج فريديرك يمكن للمشاهد أن يرى اختلافا في الآراء، أو هذا النشاز الذي قلّما نراه، حاليا، في الغرب. المتعة كبيرة، وروح المفارقة أيضا، ونحن نرى رولاند دوما Roland Dumas وزير الخارجية الفرنسي الأسبق، وهو ينتقد اللوبي اليهودي، أو يعبر عن رفضه أن يحدّد الغربُ من يحاوره من العالم الإسلامي، منددا بمحاصرة إيران ونسيان الخطر الإسرائيلي. في برنامج تاديي، المشاهد على يقين أنه على موعد مع آراء متضاربة ومتناقضة، وأن الانسجام و«الهارمونيا» التي تعبر عنها برامج أخرى، حتى من التي يدعى إليها عرب ومسلمون، يكون دورهم في التعبير عن الدعم والإسناد لرؤية استشراقية أو غربية منحازة، تحل محلها مقارعة الحجة بالحجة، وفي المحصلة النهائية، نخرج برغبة في مواصلة التفكير في الموضوع، وفي هذا تنشيط للحس النقدي للمشاهد، بدل اليقينات التافهة. الكثير من الذين تجاهلهم الإعلام «الرسمي» باتت لهم فرصة للظهور والدفاع عن آرائهم وقياس مفعول أفكارهم. كانت ثمّة فرصة لمشاهدة ألان سورالAlain Soral، الذي يعتبر نفسه مناضلا شيوعيا انضمّ لحزب الجبهة الوطنية مع الناخبين الشيوعيين الذين أصبحوا يمينيين مؤخرا، وهو يعبّر عن سخطه من سيطرة فكر رسمي، جدير بجمهورية موز حقيقية... ويبدو أن تاديي لا يترك الآخرين لا مبالين، ومن هنا أصالته، إذْ حاولت صحيفة لوموند رسم بورتريه لفريديرك تاديي نقرأ فيه، وكأننا أمام محكمة تفتيش (توابل ضرورية لتحطيم الرجل)، أن تاديي «ليبرالي وفوضي ويُسراوي من اليمين ومفكّر حر». يستعرض المقال بدايات تفتح تاديي على عالم الكتابة التي كانت مع صحيفة الأبله الدولي Idiot International الفرنسية حيث ارتبط، بفضلها، بعلاقات مع كل من مارك - إدوارد ناب (نعرف أنه عرّاب ابنه) وألان سورال. ولا يتورع المقال/ البورتريه عن لوم فريديريك تاديي، لأنه دعا إلى برنامجه، طارق رمضان وديودوني وألان دي بونواست Alain de Benoist (منشط حركة «اليمين الجديد») وغيرهم... البرنامج لا يزال مستمرا، وعدد الذين يسهرون الليل في تزايد مستمر، كما أن من يستولي عليه النوم، أمام شاشته الصغيرة يمكن له أن يستعيد البرنامج على الإنترنت. رغم المناخ السائد من سيطرة الثقافة الساركوزية فإن كُوّات صغيرة لا تني تمنح، من يرى بأنه غير مُمَثَّل في المشهد الإعلامي والثقافي والفكري الفرنسي، شيئا من الأمل... طلبت «الشرق الأوسط» من كتاب عرب رأيهم في هذا البرنامج: الروائي السوري خليل النعيمي قال بأن «البرنامج ضروري لمنح الكلام للذين يحلمون، في الحضور في البرامج الفكرية والثقافية الأخرى التي تزخر بها القنوات التلفزيونية في فرنسا». وأضاف بأنه على الرغم من وجود هذا البرنامج الجاد، فإنه لا بدّ من «ظهور برامج أخرى تعبر عن التعددية الثقافية الحقيقية في هذا البلد». قدور زويلاي، السوسيولوجي الجزائري أكّد أن هذا البرامج يصالحنا مع القطاع السمعي البصري في فرنسا: «لا تنس أننا ندفع له ضريبة كل سنة تقارب 120 يورو، وأحيانا ونحن نرى الرداءة أو زحف البرامج المتصهينة أو التحقيرية للعربي، التي تداعب ما تبقى من أفكار كولونيالية في المخيال الغربي، نحس بالغضب من دفع هذه الضريبة». أما محمد باديش الباحث المغربي، فيرى «أنها قطرةُ ماء في بحر الإعلام التضليلي في فرنسا. إننا أمام ما نشهده هذه الأيام من بسط ساركوزي وأوساطه من كبار رجال الأعمال والمال لأيديهم على الإعلام، ليس لنا سوى أن نضع أيدينا على قلوبنا خوفا على هذا البرنامج، الذي يتعرض لكثير من الهجمات (البعض نَعوه قبل الأوان، أو حذّروا من عدم انضباطية المُقدّم)، وأن نشدد على وجوب وجود برامج من هذا النوع في المشهد الثقافي والفكري الفرنسي». أما الباحث والروائي المغربي أحمد المديني فقد رأى «أن البرنامج، دليل على حيوية الحركة الثقافية في فرنسا، وعلى أن أصواتاً لا تزال تؤمن بالرأي والرأي الآخر». | |||
الاثنين، 19 نوفمبر 2012
الأحد، 18 نوفمبر 2012
السبت، 17 نوفمبر 2012
عن باتريك موديانو
«مقهــى الشــباب الضائــع» لباتريــك موديانــو
أمكنــــة ميتافيزيقيــــة
| ||||||||||||||
مازن معروف
في رواية «مقهى الشباب الضائع» (دار مقاليد، ترجمة محمد المزديوي)، يجمّد الكاتب باتريك موديانو، المكان الأول الذي تتكرر صوره، في لعبة الزمن والحدث. والمكان الاول كما يشير عنوان الرواية الصادرة عام 2007 بالفرنسية، هو المقهى «كوندي». هذه التقنية، في عدم زحزحة المكان، لا تشي فقط بالترميز إلى ما هو ميتافيزيقي في العمل، بل تضمن للكاتب، تحريك الحدث بخفة متفاوتة، كأنه حجر شطرنج يبتعد أو يتوسع في احتلال المربعات شيئا فشيئا. وهي مربعات العاصمة الفرنسية باريس. من هنا، يتفق كثيرون على أن رواية موديانو الأخيرة، هي رواية المكان، او محاولة كشف عوامل الارتباط السري ما بين الكائن الإنساني والكائن الإسمنتي. ولذلك، فإن هذه المكاشفة المقصودة، لا تخلو من مكاشفة جانبية، لتعرية أحياء باريس وشوارعها. ولذلك، فإن للرواية مسحة فهرسية أو طوبوغرافية، على علو منخفض من اليابسة الباريسية. موديانو لا يترك لشخوصه المجال في التخييل إلا لماما، فقط لملء فراغ، ولكسر قسوة الخسارة أو الفقد في العمل. كما أنه لا يبدو مهتما بالقسمات النفسية للأفراد. وهو لا يسعى لإقامة بنية روائية، تتوازن ما بين الداخل (البسيكولوجي) والخارج المادي (البصري). لتتماهى الشخصيات مع الأمكنة، بشكل تام، كأنها جزء من هذه الأمكنة، ولد معزولا عن التطور السياسي والانقلابات في النظم الاجتماعية للعاصمة الفرنسية.
فالكاتب لا يبدو مهتما، برفع الاختلافات الحضارية لأشخاص العمل، إلى القارئ، وهم يبدون على تماس تام، مع متطلبات العيش في المدينة الأوروبية، بل فإن موديانو لا يلتفت، ولو للحظة للفوارق في الخلفية التربوية والثقافية والحضارية التي يتميز بها زكريا عن جون- ميشيل، وعلي الشريف عن دون كارلوس، لأن المقهى، هو الخلية الاجتماعية التي ترفع الكلفة عن هذه العلاقات، وتعيد الأشياء إلى البداية: حاجة الإنسان للإنسان. وفي موازاة ذلك، فإن المعادلات النظرية تطل برأسها، من خلال النص، باستحضار لأسماء كتّاب (أداموف، لوباج، نيتشه،..)، وكتب («أناشيد مالدورور»، «الإشراقات»، «المتاريس السرية»، «لويز العدم»، «آفاق ضائعة»، «فلسفة العود الأبدي»..) تتحرك جميعها في فلك، العود الأبدي. تكون البداية، من خلال ثنائية متوازنة، ما بين فتاة، ومحقق، ومن ثم فتاة وعشيق. بين هاتين الثنائيتين، يقبع المكان ـ المقهى بخبث. المشهد الأول ينطلق منه، والمشهد الأخير، ينتهي فيه. ليتعادل الغياب المؤقت لـ «كوندي» في جسم العمل الروائي، مع استحضار شخصي يوهم بأنه ديمومي، للبطلة لوكي (من خلال عشيقها)، قبل أن يعاد للمقهى وجوده، بلؤم واضح، كتعويض عن فقدان البطلة النهائي في نهاية العمل. هذا الأسلوب في تجسيد المكان يضمن لموديانو فسحة واسعة في اللعب بالتواريخ، في الرواية كما وتفعيل الزمن من خلال تحديد كمية الغياب والحضور المتفاوت للأشخاص. فهم يتحركون فقط بموجب حراك البطل ـ المحقق (في الجزء الأول) والبطل ـ العشيق (في الجزء الثاني) في البحث عنهم. يعاد اختصارهم، في شخصية لوكي، فضياعها يرتب على العمل أولوية، ويرتفع سريعا وبشكل حاد ليشكل الحدث الموحد ما بين جزأي العمل. المقهى في الرواية، لن يكون ذلك المكان المستهلك. ثمة حيادية مرسومة بخبث، ما بين المحقق والمقهى، وهي حيادية سيتسع بيكارها في الجزء الثاني من العمل، الذي يختلط فيه الرومانسي بالبسيكولوجي والوجودي. الرواية متخمة بالكتب والمثقفين، في مربع العود الأبدي النيتشوي، لكنها على الرغم من ذلك، لا تنوء تحت ثقل البعد الرمزي، ولا تمثل أطروحة لإعادة النظر في هذه الفلسفة المثيرة للإرباك والجدال. والمقهى، على هذا المنوال، يتم تخفيض قيمته إلى العادي، كسبيل إلى الارتقاء الأوتوماتيكي، في قيمة ذاتيته أو كيانيته. ومن هنا تنبع خصوصيته، التي تشترط خصوصية أشخاصه، ومن ثم الظروف التي أنشأت هذه الخصوصية كالتاريخ الحديث لفرنسا، والسيستم السوسيولوجي الذي يسحق كائنات تبدو كأنها أطياف (والدة لوكي التي يتم الحديث عنها غالبا بصيغة الغائب) ويعزز بالمقابل من حشرية كائن آخر (لوكي) لاستكشاف العالم، الذي هو دائما ضمن المساحة الجغرافية التي يحددها موديانو، أي باريس. الشبان والشابات لا يسعون إلا لبناء علاقة شخصية مع المكان، بمنأى تام عن الحاجة للمقهى كمعرض أفكار أو تأدية فروض يسارية مثلا، وهو كذلك لا يحمل أبعادا مجازية خرافية أحيانا كما لدى الشعراء، الذين لا تفلت رمزيته الرومانسية عن مخيلتهم. يكون مقهى كوندي بمثابة تصفية حساب مع الزمن، والتاريخ البائت، كما وتصفية حساب مع أشكال روائية سابقة، لطالما محورت أحداثها حول المقهى كماكان أليف بديل عن الشارع، سري ومعلن في وقت واحد، ومباح أمام الجميع وحتى رجال المخابرات الذين دأبنا على التريث في قراءة المقطع الروائي حينما يحضرون إلى المشهد العام. الانسان يتحرك من المكان الثانوي، إلى المكان الأساس (من الناحية الجغرافية)، فالمقهى جزء من المدينة. مكان ربما موقت، قياسا بالمدينة ذات المحتوى السوسيولوجي الأغنى، إنما من الناحية الفنية أو الروائية تحديدا، فإن نقطة الانطلاق، تبدأ من المقهى الذي يمثل السمة الأساس في العمل لتبدو باريس، وكأنها مكان حتمي فرض نفسه كملجأ لقيمة الفقد أو الخسارة اللينة، التي لا ترقى لحتمية الموت، ولا الإنتفاء، أو اليأس، ما يجعلها خسارة مغلفة بالطزاجة، جاهزة لتنزلق من بين أنامل الزمن، الأمر الذي يعتبر أحد ألعاب موديانو الروائية. المقهى يعيد موديانو للمقهى وظيفته الاولى، المتعلقة برمزيته كمادة من ماود المنظر العام أو الشارع، فلا حاجة للإسهاب في تفسير تموقعه، أو جدواه كمتنفس وجودي أو كملهاة. يتقاطع هذا التحديد مع فكرة نيتشه، فكأن المقهى يعود ليعيش لحظات نشأته الأولى، التي سبقت أدلجته. غير أن هذا الأمر، يسحب على المقهى جماليات تكمن في عنصرين أساسيين في الرواية، لا يعلنهما موديانو بصورة مباشرة، وللصراحة، فإن اكتشافهما ليس إلا شأن القارئ نفسه. أولا، يعلن المقهى الأشياء الأولى، الحركة الأولى للزمن، الذي يرتبط بحركة أشخاص نحدس وجودهم للمرة الأولى، ومن هنا، تنتفخ القيمة الوجودية وتتعمق العلاقة ما بين المقهى كمكان عام، وغاية «الزبائن» وفردانية كل منهم، الذين قد يكون وجود بعضهم ليس إلا موزاييكا روائيا. إذاً فإن علاقة ما تقوم بين كائن صامت، لا يتحرك، ويحمل في الوقت ذاته قيمته الوجودية ـ المادية، وهو المقهى، وكائن آخر (لوكي)، التي وجودها غير المفتعل، في المقهى، يعد سابقة لتفعيل مساحة الفكري ـ الرومانسي، وإن للحظات موقتة في العمل. أما الامر الثاني، فهو الاتساع التدريجي للمسافة الفاصلة، ما بين خط الأشخاص، الميتافيزيقي، وخط المقهى كنقطة من الزمن، أو كمرجعية لزمن مضى. فالمقهى سيتم ادخاره في العمل، إلى النهاية، حينما يقوم موديانو بمزج مصائر أبطاله ومصيره. سيتم العودة في النهاية إلى هذا المقهى، بما يحمله من حتمية الخسارة، التي تتحول الآن إلى خسارة صلبة، وثقيلة على نفس القارئ، لأنها محملة بالحقيقة الدرامية (موت لوكي). فالغياب ـ الحضور ثنائية تشكل كماشة العمل، وتحيل المكان إلى خط الإحتمالات، يحضر المكان في الجزء الأول من الرواية، في موازاة الأشخاص الغائبين، أما في القسم الثاني فالعكس هو ما يحصل. يتم تغييب المكان، كوضعه على مسافة بعيدة بعض الشيء عن العدسة المكبرة، لتأمل حيزه، دون الإسهاب في تأمل تفاصيله. هذا التكتيك الصعب الذي اختاره موديانو، بقدر ما هو سوداوي، إلا أنه يبقي النهاية على صفيح الصدمة التي تقفل العمل، ويفتح أنهارا من الأسئلة، تشير كلها إلى غاية موديانو في صب التخييل الروائي، في مصلحة الفكر الإنساني، الذي لا يمكن أن يتحقق صفاؤه إلا بشرط القلق. لذلك، فإن خيبة موت لوكي، والمأسوية غير المتوقعة للسياق الروائي، من جهة، والتعاطف الملحوظ للكاتب مع فكرة العود الأبدي، من جهة أخرى، تتعادل في رأس القارئ، ومن هنا يكون موديانو قد نجح بتهريب روايته بعيدا عن فخ الدراما، الذي غطاه نيتشه بكل كاريزماتيته. وإلا فإنه كان ليكون لنا حديــث آخر حول هذا العمل. أي أن التعكيز على «العــود الأبدي» هو ما أنقذ موديانو من ورطة شبــه مؤكــدة في نهاية الرواية. التقى والد موديانو بوالدته في باريس المحتلة إبان الحرب العالمية الثانية، وبدأت علاقتهما بشكل شبه سري. كان لطفولته مناخ واحد، فرضته التحولات التي طرأت على العائلة، خاصة بغياب والده الذي كان يسمع الكثير من القصص المضطربة عنه، وجولات الأم بعيدا عن الطفل باتريك، الذي تحتم عليه أن يكمل تعليمه الثانوي عن طريق المساعدات الحكومية، وقد قربه ذلك كثيرا من شقيقه رودي الذي توفي بسبب المرض وهو لم يتجاوز بعد العاشرة من العمر (أعمال باتريك موديانو من العام 1967 وحتى العام 1982 هي مهداة له). موت الأخ، كان بمثابة توقف لطفولة موديانو، التي استعادها في العديد من أعماله، كأنه عقد اتفاق مع الحنين إليها. ارتبطت أعماله في البداية، مع مرحلة ما بعد الديغولية، وإشتغل على إعادة تقييم الاحتلال والمقاومة، من خلال الأدب، وابتكاره لاحقا لشكل كتابي حديث في الرواية. ثم مدد تجربته أو تنقيبه ليطال فترة ستينيات القرن العشرين، محتفظا بالمناخات النفسية لشخوص أعماله. ثلاثيته الشهيرة عن الاحتلال، «ساحة النجمة» (1968)، «جولة الليل» (1969) ، و»بولفارات الأحزمة» (1972) يتجلى فيها افتتان ملحوظ بالعالم، من خلال الدخول إلى بسيكولوجيات أبطاله، في مناخ لا ينفلت من الحرب والمقاومة الشعبية. حائز جائــزة روجــيه نيمــيه (1978) عن روايته «ساحة النجــمة»، وجائزة غونكور عن روايته «درب الحوانيت المعتمة». وقد منحته مؤســسة (بير دي موناكــو) جائزتها كتقدير عن مجمل أعماله عام 1984. له قرابــة الثلاثين رواية، زائداً مساهمــاته في كــتابة العديد من سيناريوهـات الافــلام السينمائية. وهــو أحــد المــجددين البــارزين في الروايــة الفرنسية.
عن السفير اللبنانية
| ||||||||||||||
الخميس، 15 نوفمبر 2012
الطاهر بكري عند قبر محمود درويش
طاهر البكري: كيف يمكن للشاعر أن يصمت أمام آلة القتل؟
بعد صدور ديوانه بالفرنسية «أسمّيك تونس»
|
باريس: محمد المزديوي
يمنحنا الالتقاء مع الأكاديمي والشاعر التونسي، طاهر البكري، المقيم في باريس فرصة لمعرفة جديده ومواقفه من القضايا التي تهم الإبداع دون إغفال موقفه من الربيع العربي، وفي عمقه الربيع التونسي. ولعل تأخرنا في استبيان موقف هذا المبدع المتعدد التخصصات والاهتمامات، الذي لا يتوقف عن الكتابة وعن السفر، والرغبة في عدم التعجل فِي مساءلته، كما يفعل عادة، فالأدب السريع والمتعجل لا يستطيع أن يعبر بصدق عن الأحداث الكبرى، ولعل ما سمي أيام الراحل صدام حسين «أدب الحرب» مثال على هشاشته، ولا يبدو أن ثمة نصوصا كبرى خرجت من رحم الحرب العراقية - الإيرانية.
ابتدأ لقاؤنا بالتساؤل عن جدوى الشعر حاليا؟ فكان جوابه: «وما جدوى الشابي والسياب ودرويش ورامبو وسان جون بيرس وهولدرلين ولوركا ونيرودا وبيسوا؟ هل تساءل هؤلاء عن فائدة الشعر أم كتبوا قولا ضروريا يرفع من قيم الإنسان؟ الإجابة عن جدوى الشعر هي من واجب المتلقي أولا، ثم قد يعتبرها الشاعر من مشاغله. على الشاعر أن يكتب، مهما كلفه ذلك. تصلني من حين لآخر رسائل عبر الإنترنت من قراء يسكنون بقاع الدنيا المختلفة، لا أعرفهم ولم ألتق بهم ولكنهم وجدوا فيما أكتب بعضا مما يحرك سواكنهم. يكفي هذا لنقتنع بجدوى الشعر. ما ينفع الناس يبقى في الأرض أما الزبد فيذهب جفاء».
وحين نسأله حول ما يريد أن يعبر عنه من خلال نصوصه الشعرية؟ يقول: «هناك بون بين ما أريد التعبير عنه وما أستطيع كتابته. لأن كتابة الشعر هي عملية صراع دائم مع اللغة التي بها نكتب - وفيما يخصني مع لغتين - في معاناة وجهد لتوليد القصيد أبعاد النفس في توقها للحرية وجمال الكون وحب الحياة. لا أكتب من الإجابات السطحية أو المواضيع العقائدية في خطابها السياسي المتداول، بل من خطورة السؤال وأهميته. وأعمل في بعض الحالات على مساءلة الحداثة من باب التراث. كتبت في مواضيع كالمنفى والترحال والحب وهموم الإنسان العربي حتى وإن كانت غالب كتبي بالفرنسية. هكذا كتبت على لسان امرئ القيس ديوان (نشيد الملك الضليل) وعلى لسان ابن حزم ديوان (مسابح الوصل) وكذلك ديوان (إذا كان على الموسيقى أن تموت) في الدفاع عن الفن والحضارة الإنسانية، إلى غير ذلك من الدواوين التي أملتها علي ضرورة الكتابة».
ولكن، هل بإمكان القصيدة أن تقول كل شيء؟ «قديما وحديثا يعسر تعريف الشعر وماهيته فما بالك بإمكانيته. لو تمكن القصيد من قول كل شيء لما حاول الشعراء في بحثهم الدائم إيجاد أشكال ومعان ودلالات وإيقاعات جديدة. القصيد ليس جاهزا كطبق نملؤه بما نشاء ونقدمه للقارئ النهم المتسرع، بل هو عصارة الأيام في وعيها اليقظ وطوبى الحلم المتيقظ إلى ما نصبو إليه من مثل إنسانية، واقعا وخيالا. قد نفلح في القول وقد نعجز ولكن مهمة الشاعر تكمن في جعل الكلمة تسمو بما يقول ويكتب، بعيدا عن الابتذال والرتابة والفقر النصي، مهما كان الموضوع. إن صمت الشاعر حينا، لا يعني أنه يخل بدوره أمام الخطب الجلل وهول الفاجعة. كيف يمكن للشاعر أن يصمت أمام آلة القتل وسلطان الرعب، أمام من يقتل شعبه ويسيل دماءه؟ حتى وإن عجزت القصيدة عن القول، فالشاعر يجب أن يقول كلمته كمواطن. وثق أني لا أخلط بين كتابة الصمت وصمت الكتابة».
وبما أن الثورة التونسية حاضرة في الأذهان فقد سألنا الشاعر البكري عن موقفه من الثورة التونسية خصوصا، ومن الربيع العربي عموما، فقال: «الثورة التونسية هي ثورة شعبية ضد الظلم والقمع وانتهاك الحريات وسرقة الأموال العامة ومطالبة بالحرية والديمقراطية التي تنادي بها كل الشعوب العربية منذ عقود. إن موت الشهداء في كل يوم في سوريا مثلا وفي المنطقة العربية عامة لبناء حياة عزيزة حرة وتأسيس المجتمع العربي الديمقراطي - مهما كانت الاختلافات في المذاهب والعقائد - ليبعث على تواضع الشعر بقدر ما يطالبه بمسؤوليته التاريخية حتى لا يصبح الربيع شتاء قاسيا أو يستغله بانتهازية رهيبة سياسيون لا هم لهم إلا السلطة أو فرض قيود جديدة، بعيدا عن مطامح الشعب وآماله».
ولأن الشاعر سافر كثيرا وكتب نصوصا كثيرة تتحدث عن كثير من القضايا السياسية سألناه، وهو الذي كتب عن فلسطين وعن مواضيع سياسية أخرى، ألا يخاف من سقوط الشعر في السياسوية المقيتة؟ وكأنما حاول سل نفسه من الفخ، قال: «نشرت كتابا عن فلسطين (سلام غزة) وفيه يومياتي عن الحرب على غزة وكذلك يومياتي عن رحلة قمت بها إلى فلسطين المحتلة في مارس (آذار) 2009. كتبت بكل جوارحي ما أحسست به من ألم ووجع لدى زيارتي إلى رام الله والقدس الشرقية ونابلس وبير زيت ومع الأسف منعت من الذهاب إلى غزة. في الكتاب كذلك قصائد كتبت عن محمود درويش وحصار جنين وغزو جنوب لبنان. كيف يسقط الشعر في السياسوية - هل هذه نزعة انبتات هامشية أو غيبوبة ينادي بها البعض أمام الفشل الذريع - وتاريخك مثخن بالجراح ومثقل بالهزائم والمآسي. لا خوف على الشعر من أي باب، إن كان اقتناعنا مسيكا وغير متنازل عن عمل الكتابة وقيمة الإبداع، فنا وشعورا وصدقا. لا أكتب صراخا حماسيا أو جعجعة، بل كلمات رقيقة، عنيدة ومتجذرة في الكيان العربي. أكتب عن كل أقحوان تدوسه أحذية المستوطنين، عن كل نبتة زعتر تأتي عليها دبابات الغزاة. أكتب عن موج البحر الذي يحمل صخبي الداخلي، عن كل شجرة زيتون تحتاج إلى لقاح الرياح الأربع».
أحيانا تستبد بالشاعر نوبة من الكآبة إزاء الاحتفال بـ«يوم الشعر» فكان لا بد أن نسأل شاعرنا عما يوحيه له الاحتفال بيوم الشعر وبربيع الشعر؟ فكان رده: «رغم تذمر الناشرين من كساد سوق الشعر لا يمر عام دون أن تتكاثر الكتابات والمظاهرات والقراءات والاحتفالات بربيع الشعر في كل المدن والقرى الفرنسية. أصبح الاحتفال شبه عالمي، وهذا يعطي للشعر حيوية وحضورا وشعورا بأن الشعر أصبح فنا قريبا من الناس ونزل من برجه العاجي. فهو كالموسيقى والرسم والغناء، له دور ثقافي وجمالي في المجتمع. وحبذا لو نستمع أكثر في بلداننا العربية والإسلامية لأصوات الشعراء والفنانين عامة، عوض أصوات الرصاص الحي والمدافع والقنابل وعويل الأمهات».
ماذا فعل الشعر لمصلحة الثورة في تونس، وهل بإمكان القصيدة أن تكون رديفا للثورة التونسية؟ أجاب الطاهر بنوع من الحذر المسؤول: «كيف يمكن للشاعر أن يكون رديفا للثورة؟ لا بد من التواضع أمام من قدموا أرواحهم وأصبحوا شهداء الحرية والكرامة. لم تكن أبيات أبي القاسم الشابي التي رددها المتظاهرون وما زالوا يرددونها في ربوعنا إلا حافزا ملهما وتعبيرا متأججا عن نفاثة صدورهم كما كان الشابي نفسه يعرف الشعر. أتفق مع الشابي في أناشيده وأحب تسمية ديوانه (أغاني الحياة)، لأني أعتبر الثورة تأسيسا لحياة أفضل وحبا جميلا». وقبل أن ينتهي لقاؤنا كان من الضروري أن نسأل طاهر البكري عن جديده، فقال: «آخر ديوان لي هو (أسميك تونس) وصدر بالفرنسية في باريس عن دار المنار للنشر. وكذلك صدر لي قرص يجمع بين الشعر والموسيقى (إذا كان على الموسيقى أن تموت) عن دار قواسكو. الشعر مترجم إلى عدة لغات والموسيقى من تأليف بول هويلو بمعية موسيقيين من آيرلندا وفرنسا وأرمينيا وإنجلترا».
عن صحيفة الشرق الأوسط
يمنحنا الالتقاء مع الأكاديمي والشاعر التونسي، طاهر البكري، المقيم في باريس فرصة لمعرفة جديده ومواقفه من القضايا التي تهم الإبداع دون إغفال موقفه من الربيع العربي، وفي عمقه الربيع التونسي. ولعل تأخرنا في استبيان موقف هذا المبدع المتعدد التخصصات والاهتمامات، الذي لا يتوقف عن الكتابة وعن السفر، والرغبة في عدم التعجل فِي مساءلته، كما يفعل عادة، فالأدب السريع والمتعجل لا يستطيع أن يعبر بصدق عن الأحداث الكبرى، ولعل ما سمي أيام الراحل صدام حسين «أدب الحرب» مثال على هشاشته، ولا يبدو أن ثمة نصوصا كبرى خرجت من رحم الحرب العراقية - الإيرانية.
ابتدأ لقاؤنا بالتساؤل عن جدوى الشعر حاليا؟ فكان جوابه: «وما جدوى الشابي والسياب ودرويش ورامبو وسان جون بيرس وهولدرلين ولوركا ونيرودا وبيسوا؟ هل تساءل هؤلاء عن فائدة الشعر أم كتبوا قولا ضروريا يرفع من قيم الإنسان؟ الإجابة عن جدوى الشعر هي من واجب المتلقي أولا، ثم قد يعتبرها الشاعر من مشاغله. على الشاعر أن يكتب، مهما كلفه ذلك. تصلني من حين لآخر رسائل عبر الإنترنت من قراء يسكنون بقاع الدنيا المختلفة، لا أعرفهم ولم ألتق بهم ولكنهم وجدوا فيما أكتب بعضا مما يحرك سواكنهم. يكفي هذا لنقتنع بجدوى الشعر. ما ينفع الناس يبقى في الأرض أما الزبد فيذهب جفاء».
وحين نسأله حول ما يريد أن يعبر عنه من خلال نصوصه الشعرية؟ يقول: «هناك بون بين ما أريد التعبير عنه وما أستطيع كتابته. لأن كتابة الشعر هي عملية صراع دائم مع اللغة التي بها نكتب - وفيما يخصني مع لغتين - في معاناة وجهد لتوليد القصيد أبعاد النفس في توقها للحرية وجمال الكون وحب الحياة. لا أكتب من الإجابات السطحية أو المواضيع العقائدية في خطابها السياسي المتداول، بل من خطورة السؤال وأهميته. وأعمل في بعض الحالات على مساءلة الحداثة من باب التراث. كتبت في مواضيع كالمنفى والترحال والحب وهموم الإنسان العربي حتى وإن كانت غالب كتبي بالفرنسية. هكذا كتبت على لسان امرئ القيس ديوان (نشيد الملك الضليل) وعلى لسان ابن حزم ديوان (مسابح الوصل) وكذلك ديوان (إذا كان على الموسيقى أن تموت) في الدفاع عن الفن والحضارة الإنسانية، إلى غير ذلك من الدواوين التي أملتها علي ضرورة الكتابة».
ولكن، هل بإمكان القصيدة أن تقول كل شيء؟ «قديما وحديثا يعسر تعريف الشعر وماهيته فما بالك بإمكانيته. لو تمكن القصيد من قول كل شيء لما حاول الشعراء في بحثهم الدائم إيجاد أشكال ومعان ودلالات وإيقاعات جديدة. القصيد ليس جاهزا كطبق نملؤه بما نشاء ونقدمه للقارئ النهم المتسرع، بل هو عصارة الأيام في وعيها اليقظ وطوبى الحلم المتيقظ إلى ما نصبو إليه من مثل إنسانية، واقعا وخيالا. قد نفلح في القول وقد نعجز ولكن مهمة الشاعر تكمن في جعل الكلمة تسمو بما يقول ويكتب، بعيدا عن الابتذال والرتابة والفقر النصي، مهما كان الموضوع. إن صمت الشاعر حينا، لا يعني أنه يخل بدوره أمام الخطب الجلل وهول الفاجعة. كيف يمكن للشاعر أن يصمت أمام آلة القتل وسلطان الرعب، أمام من يقتل شعبه ويسيل دماءه؟ حتى وإن عجزت القصيدة عن القول، فالشاعر يجب أن يقول كلمته كمواطن. وثق أني لا أخلط بين كتابة الصمت وصمت الكتابة».
وبما أن الثورة التونسية حاضرة في الأذهان فقد سألنا الشاعر البكري عن موقفه من الثورة التونسية خصوصا، ومن الربيع العربي عموما، فقال: «الثورة التونسية هي ثورة شعبية ضد الظلم والقمع وانتهاك الحريات وسرقة الأموال العامة ومطالبة بالحرية والديمقراطية التي تنادي بها كل الشعوب العربية منذ عقود. إن موت الشهداء في كل يوم في سوريا مثلا وفي المنطقة العربية عامة لبناء حياة عزيزة حرة وتأسيس المجتمع العربي الديمقراطي - مهما كانت الاختلافات في المذاهب والعقائد - ليبعث على تواضع الشعر بقدر ما يطالبه بمسؤوليته التاريخية حتى لا يصبح الربيع شتاء قاسيا أو يستغله بانتهازية رهيبة سياسيون لا هم لهم إلا السلطة أو فرض قيود جديدة، بعيدا عن مطامح الشعب وآماله».
ولأن الشاعر سافر كثيرا وكتب نصوصا كثيرة تتحدث عن كثير من القضايا السياسية سألناه، وهو الذي كتب عن فلسطين وعن مواضيع سياسية أخرى، ألا يخاف من سقوط الشعر في السياسوية المقيتة؟ وكأنما حاول سل نفسه من الفخ، قال: «نشرت كتابا عن فلسطين (سلام غزة) وفيه يومياتي عن الحرب على غزة وكذلك يومياتي عن رحلة قمت بها إلى فلسطين المحتلة في مارس (آذار) 2009. كتبت بكل جوارحي ما أحسست به من ألم ووجع لدى زيارتي إلى رام الله والقدس الشرقية ونابلس وبير زيت ومع الأسف منعت من الذهاب إلى غزة. في الكتاب كذلك قصائد كتبت عن محمود درويش وحصار جنين وغزو جنوب لبنان. كيف يسقط الشعر في السياسوية - هل هذه نزعة انبتات هامشية أو غيبوبة ينادي بها البعض أمام الفشل الذريع - وتاريخك مثخن بالجراح ومثقل بالهزائم والمآسي. لا خوف على الشعر من أي باب، إن كان اقتناعنا مسيكا وغير متنازل عن عمل الكتابة وقيمة الإبداع، فنا وشعورا وصدقا. لا أكتب صراخا حماسيا أو جعجعة، بل كلمات رقيقة، عنيدة ومتجذرة في الكيان العربي. أكتب عن كل أقحوان تدوسه أحذية المستوطنين، عن كل نبتة زعتر تأتي عليها دبابات الغزاة. أكتب عن موج البحر الذي يحمل صخبي الداخلي، عن كل شجرة زيتون تحتاج إلى لقاح الرياح الأربع».
أحيانا تستبد بالشاعر نوبة من الكآبة إزاء الاحتفال بـ«يوم الشعر» فكان لا بد أن نسأل شاعرنا عما يوحيه له الاحتفال بيوم الشعر وبربيع الشعر؟ فكان رده: «رغم تذمر الناشرين من كساد سوق الشعر لا يمر عام دون أن تتكاثر الكتابات والمظاهرات والقراءات والاحتفالات بربيع الشعر في كل المدن والقرى الفرنسية. أصبح الاحتفال شبه عالمي، وهذا يعطي للشعر حيوية وحضورا وشعورا بأن الشعر أصبح فنا قريبا من الناس ونزل من برجه العاجي. فهو كالموسيقى والرسم والغناء، له دور ثقافي وجمالي في المجتمع. وحبذا لو نستمع أكثر في بلداننا العربية والإسلامية لأصوات الشعراء والفنانين عامة، عوض أصوات الرصاص الحي والمدافع والقنابل وعويل الأمهات».
ماذا فعل الشعر لمصلحة الثورة في تونس، وهل بإمكان القصيدة أن تكون رديفا للثورة التونسية؟ أجاب الطاهر بنوع من الحذر المسؤول: «كيف يمكن للشاعر أن يكون رديفا للثورة؟ لا بد من التواضع أمام من قدموا أرواحهم وأصبحوا شهداء الحرية والكرامة. لم تكن أبيات أبي القاسم الشابي التي رددها المتظاهرون وما زالوا يرددونها في ربوعنا إلا حافزا ملهما وتعبيرا متأججا عن نفاثة صدورهم كما كان الشابي نفسه يعرف الشعر. أتفق مع الشابي في أناشيده وأحب تسمية ديوانه (أغاني الحياة)، لأني أعتبر الثورة تأسيسا لحياة أفضل وحبا جميلا». وقبل أن ينتهي لقاؤنا كان من الضروري أن نسأل طاهر البكري عن جديده، فقال: «آخر ديوان لي هو (أسميك تونس) وصدر بالفرنسية في باريس عن دار المنار للنشر. وكذلك صدر لي قرص يجمع بين الشعر والموسيقى (إذا كان على الموسيقى أن تموت) عن دار قواسكو. الشعر مترجم إلى عدة لغات والموسيقى من تأليف بول هويلو بمعية موسيقيين من آيرلندا وفرنسا وأرمينيا وإنجلترا».
عن صحيفة الشرق الأوسط
الأربعاء، 14 نوفمبر 2012
Miroirs en fuite
Miroirs en fuite
Anthologie de nouvelles marocaines contemporaines
Collectif
Sous la direction de Mohammed Berrada. Traduit de l’arabe par Xavier Luffin
Aden / coll. Label Littérature
Nouvelles
10 x 18 cm / 160 pages
ISBN 978-2-805920-28-8
2012
12 €
À paraître
Collectif
Sous la direction de Mohammed Berrada. Traduit de l’arabe par Xavier Luffin
Aden / coll. Label Littérature
Nouvelles
10 x 18 cm / 160 pages
ISBN 978-2-805920-28-8
2012
12 €
À paraître
Mohammed Berrada est un romancier marocain arabophone, considéré comme le chef de file du roman moderne marocain. Enseignant la littérature arabe à l’université de Rabat, il est aussi traducteur et critique. Il est marié à Leïla Chahid.
Dans cette anthologie, Mohammed Berrada a choisi de nous présenter le meilleur de la jeune littérature marocaine arabophone : Yassine Adnan, Anis Al-Rafii, Latifa Baqa, Abdelmoumen Chentouf, Mohammed El Harradi, Youssef Fadel, Maati Kabbal, Latifa Labsser, Mohammed Mezdioui, Rabia Rihan, Abdeljabbar Shimi et Mohammed Zelmati participent d’un courant littéraire dans lequel l’intrigue romanesque passe par le prisme de nouvelles techniques d’écriture qui renouvellent la narration classique. Celle-ci s’écrit par tableaux, scènes, réflexions, portraits, et suggère plus qu’elle ne décrit.
Cette publication s’inscrit dans le contexte de DABA Maroc, saison culturelle marocaine en Belgique francophone, proposant un vaste programme axé sur la découverte de la richesse artistique contemporaine du Maroc, qui participe du mouvement citoyen qui bouleverse le Maghreb depuis un an. À travers les pratiques artistiques actuelles s’opérera un regard croisé entre le Maroc et l’Europe. DABA Maroc veut aussi mettre en lumière la création artistique et intellectuelle issue des immigrations marocaines, en particulier dans ce que les jeunes générations proposent, de manière souvent décomplexée, comme innovation, mémoire, proximités et éloignements avec le pays d’origine.
Parution : septembre 2012.
À propos de l’auteur
السبت، 3 نوفمبر 2012
العدد السادس من مجلة "بيت الشعر" الإماراتية
صدر العدد السادس من مجلة «بيت الشعر»، عن بيت الشعر في أبوظبي التابع لنادي تراث الإمارات، وتميز العدد باحتفائه بالشعر الكلاسيكي، وقد كتب في هذا الملف خالد بلقاسم عن «امرؤ القيس - الأثر طريق خفي»، ومحمد الغزي عن «الجواهري في ذكراه .. بهاء الديباجة القديمة»، ومحمد عريقات عن «الحداثة في الشعر الكلاسيكي»، وحنين عمر كتبت عن «القصيدة العمودية ثلاث ملاحظات أفقية «، وتناول جهاد هديب في هذا الملف «القصيدة العمودية الإماراتية حتى تأسيس الدولة»، وتحدث سامح كعوش عن الشاعر الإماراتي المعروف أحمد أمين المدني تحت عنوان «حكاية الشاعر العاشق». وقد جاءت افتتاحية العدد بقلم مدير التحرير الشاعر بشير البكر بعنوان «ليس دفاعا عن القصيدة العمودية». وفي العدد الجديد من المجلة نقرأ أخبار الشعراء، والإصدارات الشعرية، وخصص في باب «شعر وشعراء» مساحة لعرض العديد من الدواوين الشعرية. واحتوى العدد على حوار مع الشاعر اللبناني عباس بيضون أجراه معه فيديل سبيتي، وحوار آخر مع الشاعر الإيطالي أليساندرو موشي أجراه أحمد لوغيلمي، وتحقيق حول الشعر والنقد أنجزه حمزة قناوي، وتحقيق أعدته خلود الفلاح حول موضوع «لحظة الكتابة الشعرية»، وقراءة في ديوان «أذىً كالحب» كتبها جهاد هديب، كما كتب محمد المزديوي حول «الان روب غرييه .. الشعر والشعراء الذين أُحبهم»، وكتب خلدون عبداللطيف حول «سؤال المرجعية». |
الأربعاء، 17 أكتوبر 2012
حنان الشيخ أو الاستشراق معكوسا!
| ترجمة «حكايتي شرح يطول» لحنان الشيخ إلى الفرنسية: هل هي كتابات استشراقية في لبوس جديد؟ | |
2010-10-30
باريس - محمد المزديوي مُعضلة المثقف والكاتب العربي، غالباً، إلا من رحم الله، هي أنه يحس بالدونية حين يُترْجَم أو يُحاوَر، ما يعني أنه لا يتمتع بالثقة في النفس التي يمتاز بها زميله الأميركي اللاتيني، رغم أنهما لا يختلفان كثيراً من حيث انحدارهما معاً من دول متخلفة وقمعية واستبدادية. ولهذا فالكثير من الغربيين حين يقرؤون هذا النص المترجم، وكل الشروحات والتصريحات الصحافية المرافقة له، سيتصورون أن العرب إما قادمون من المريخ أو من أدغال غابات استوائية لم تصلها جيوش الغرب التمدينية. وهذا ما يمكن اكتشافه من القراءة التي أنجزتها أنييس رونيفيل في ملحق صحيفة «لاكروا» الثقافي الأسبوعي. لقد مرّ وقت طويل قبل أن تتطرق الكاتبة لوالدتها، رغم أن والدتها كانت دائمة التساؤل عن الأسباب التي تدفع ابنتها إلى الكتابة عن نساء أخريات وليس عنها، رغم أن حياة الأمّ هي في مثل أهمية بطلات العديد من نصوصها السردية إن لم تَبُزَّهَا، فقد تركت العش الزوجي وتخلت عن الكاتبة وأختها كي تعيش حياتها العشقية وحب حياتها الصاخب. وتكشف الكاتبة، وهنا توابل الإثارة الغربية، التي يمكن أن تُدرّ ذهباً، عن أجزاء من حياة والدتها: «لا ألومها، رغم أن والدي كان حزيناً، كان مسلماً ووَرِعاً جداً، وكانت هذه العلاقة بين والدتي وعشيقها قوية وعنيفة، لأن والدتي كانت عندها الجرأة في أن تفعل ما لم تستطع أن تفعله أي امرأة عربية، من هذا الوسط الديني والمحافظ جداً، حينئذٍ، وتركتني وأنا في سن الخامسة، وحاول الجميع إشعارها بعقدة الذنب». ولأن البنت سرّ أمها، فالكاتبة بدورها، أبانت عن «جرأة استثنائية، فسافرت رغم معارضة والدها إلى القاهرة للدراسة في سن 17، وفي سن 19 بدأت الكتابة بعد فشل قصة حب مع كاتب مصري كبير يكبرها كثيرا. وأخيراً، وهي الشيعية تتزوج مسيحياً لبنانياً، وتنجب منه بنتاً وولداً». وهي تقيم في لندن منذ أكثر من عشرين عاما، وتكتب باللغة العربية، وحين تنظر إلى الماضي فهو الحنين الحزين بالطبع، الحنين إلى زمن كانت فيه المرأة العربية، في نظرها، أكثر حرية من الآن «قاومنا كيف نذهب إلى السينما، وكي ننزع الحجاب، ولكن الضغط الديني، اليوم، أكثر قوةً». ولأن ثمة نوعاً من التماهي بين المؤلفة وبطلة روايتها أي والدتها، فهي ترى «خلال فترة طويلة كانت تربطنا علاقات مصطنعة، ولكني من خلال كتابتي لمحكي حياتها، اكتشفت الجرأة التي كانت تمتلكها، كانت أمّي نسوانية قبل حركة النساء في أوروبا، شيعية من جنوب لبنان». توابل كثيرة، من حجاب وخيانة زوجية وزواج إكراه وزواج بين ديانات مختلفة وانحسار حرية المرأة وغيرها، لا يمكن إلاّ أن تضمن للكتاب بعض النجاح. | |
خليل النعيمي
خليل النعيمي: لنا خبرة كبيرة في سوريا مع الاستبداد ومقاومته
«لو وضعتم الشمس بين يدي» نشيد لإصرار الشعب وصبره
|
باريس: محمد المزديوي
لم ينتظر الكاتب والروائي والجراح السوري خليل النعيمي الربيع العربي ووصوله إلى أرض الشام حتى يشمر عن كتابته وانتقاداته. فهذا الكاتب المنفي، بطريقة أو بأخرى، في أرض الشتات، حيث يقيم في باريس منذ أكثر من ثلاثين سنة، جاب بلاد الله الواسعة من الصين إلى الهند إلى الأرجنتين إلى موريتانيا إلى اليمن، اكتشف الهوان الذي يعيشه الكائن العربي في كل الأصقاع، واكتشف الحاجة إلى الديمقراطية وإلى الكرامة الإنسانية والمواطنة الكاملة.
سألنا الكاتب عن سبب اندفاعته كطفل بريء وراء الثورة في سوريا، وهو المبدع الذي يعرف أن الكتابة لا يجب أن تكون استعجالية، فالأمثلة كثيرة عن بؤس مثل هذا الأدب، ولعل «أدب الحرب» في العراق، الذي كتب ونشر بإيعاز من الراحل صدام حسين، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كان بائسا ومتحذلقا وركيكا، فكان جوابه لاذعا: «أنت تعرف أنني لم أنتظر أحدا حتى أبدأ في انتقاد النظام وميكانيزمات الحكم، وقد كانت إرهاصات الثورة موجودة، ترى أحيانا بالعين المجردة. كما أن لسوريا ومثقفيها تاريخا طويلا في اكتشاف الاستبداد ومحاربته، ألم يكتب السوري عبد الرحمن الكواكبي كتابه الشهير: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد».
وبالفعل تتميز كل كتابات النعيمي الروائية بإدانة الاستبداد وبالاحتفال بالحياة. كتب رواية «الشيء»، وكأنما كان يقول لنا بأن الإنسان العربي شيء وليس كيانا عاقلا وحرا. لعله كان ينقل لنا عصارة الفكر الغربي الجديد وهو يدين تشييء الإنسان من أجل سلب كرامته. كما كتب «تفريغ الكائن»، منذ فترة، ليصف ما يتعرض له الكائن العربي من سلب لشخصه وإنسانيته، ومن تفريغ له. وهو ما جعله يكتب مقالا، قبل أشهر، عن «تفريغ الرئيس». «ألا ترى معي أن النظام السوري نجح في تفريغ البلد من معظم طاقاته؟! ألا تعج المستشفيات الفرنسية بأطباء سوريين (والنعيمي طبيب جراح)، لو أنهم كانوا كراما في بلدهم لما هاجروا إلى فرنسا، ولما اشتغلوا فيها، وهي التي لم تنفق في تكوينهم وتدريسهم شيئا؟!».
أدى خليل النعيمي الخدمة العسكرية، ولم يكملها ومنحنا عن هذه التجربة عملا روائيا جميلا، وهو «مديح الهرب». والقارئ المتمعن يكتشف أن العنوان رؤيوي، فكأنما المؤلف استبق الأمور واكتشفها بقلبه، وكأنما كان ينصح رفاقه الجنود بالهرب من جيش لم يؤسس لتحرير الجولان المغتصبة وإنما لقمع الشعب وترويضه. «ربما من يقرأ العنوان، بصفة سطحية، يحس بنوع من الحرج، ولكن الظروف الحالية، التي تشتد فيها ماكينة القمع، كشفت أن أفضل طريقة لانهيار النظام القمعي هي هروب الجنود من بين صفوف الجيش الذي يعتبر عمود النظام الفقري».
لمحاربة الاستبداد ساحات عديدة، لأن الاستبداد يتمظهر في ساحات عديدة، ولهذا فالكاتب خليل النعيمي، دارس الفلسفة في جامعة السوربون، الذي يعرف جيدا، ملخص نظرية الالتزام بشقيها السارتري والماركسي، لم ينتظر، حتى يجتمع الشعب لمحاربة هذا الطغيان، فقد كتب رواية «دمشق 67»، لتوصيف الأسباب التي أدت إلى الهزيمة الكبرى وإلى غياب الدور المنوط بالجيش.
الكثيرون من الذين قرأوا أعمال خليل النعيمي ومن الذين حاوروه ألحوا على معرفة سبب عدم كتابته عن باريس وهو الذي يقيم فيها منذ فترة طويلة، بدأوا يدركون أن الكتابة فعل صعب وأنها لا تأتي حسب الطلب. وأنها، أي الكتابة، إنما هي اختمار وتجربة وقراءة، بالمعنى المتعدد لكلمة القراءة.
ولكأن الكاتب خليل النعيمي يزداد شراسة مع اشتداد شراسة القمع في بلده. وها هي روايته الجديدة «لو وضعتم الشمس بين يدي»، وهي رواية كتبت قبل بداية الثورة السورية، تأتي في لحظة فارقة من تاريخ سوريا، كاشفة عن رؤيوية المؤلف وإنصاته العميق لصرخات وحركات شعبه. لكأن عنوان الرواية الرؤيوي يتحول إلى نشيد لإصرار الشعب على المقاومة والصبر والجلد، حتى النهاية.
يحتفل خليل النعيمي، ببراءة، بانتصارات الثورات العربية، ويعتبرها محطات ضرورية قبل انتصار الثورة السورية. «صدقني، لقد بكيت، بحق، في ميدان التحرير بالقاهرة. كنت هناك مؤخرا. الثورة المصرية هي ثورتي وثورة كل العرب. ولكن الفرحة لن تكتمل إلا حين سأكون في ساحة الأمويين الدمشقية!».
لا يخفي الكاتب علمه بالمآسي والفظائع التي تطال أبناء شعبه، من تقتيل وترحيل وتهجير، وهي ضريبة الثورة، ولكنه، لا يظهر أدنى يأس من انتصار الثورة، ويترنم: «اشتدي أزمة تنفرجي.... قد آذن صبحك بالبلج!».
لم ينتظر الكاتب والروائي والجراح السوري خليل النعيمي الربيع العربي ووصوله إلى أرض الشام حتى يشمر عن كتابته وانتقاداته. فهذا الكاتب المنفي، بطريقة أو بأخرى، في أرض الشتات، حيث يقيم في باريس منذ أكثر من ثلاثين سنة، جاب بلاد الله الواسعة من الصين إلى الهند إلى الأرجنتين إلى موريتانيا إلى اليمن، اكتشف الهوان الذي يعيشه الكائن العربي في كل الأصقاع، واكتشف الحاجة إلى الديمقراطية وإلى الكرامة الإنسانية والمواطنة الكاملة.
سألنا الكاتب عن سبب اندفاعته كطفل بريء وراء الثورة في سوريا، وهو المبدع الذي يعرف أن الكتابة لا يجب أن تكون استعجالية، فالأمثلة كثيرة عن بؤس مثل هذا الأدب، ولعل «أدب الحرب» في العراق، الذي كتب ونشر بإيعاز من الراحل صدام حسين، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، كان بائسا ومتحذلقا وركيكا، فكان جوابه لاذعا: «أنت تعرف أنني لم أنتظر أحدا حتى أبدأ في انتقاد النظام وميكانيزمات الحكم، وقد كانت إرهاصات الثورة موجودة، ترى أحيانا بالعين المجردة. كما أن لسوريا ومثقفيها تاريخا طويلا في اكتشاف الاستبداد ومحاربته، ألم يكتب السوري عبد الرحمن الكواكبي كتابه الشهير: طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد».
وبالفعل تتميز كل كتابات النعيمي الروائية بإدانة الاستبداد وبالاحتفال بالحياة. كتب رواية «الشيء»، وكأنما كان يقول لنا بأن الإنسان العربي شيء وليس كيانا عاقلا وحرا. لعله كان ينقل لنا عصارة الفكر الغربي الجديد وهو يدين تشييء الإنسان من أجل سلب كرامته. كما كتب «تفريغ الكائن»، منذ فترة، ليصف ما يتعرض له الكائن العربي من سلب لشخصه وإنسانيته، ومن تفريغ له. وهو ما جعله يكتب مقالا، قبل أشهر، عن «تفريغ الرئيس». «ألا ترى معي أن النظام السوري نجح في تفريغ البلد من معظم طاقاته؟! ألا تعج المستشفيات الفرنسية بأطباء سوريين (والنعيمي طبيب جراح)، لو أنهم كانوا كراما في بلدهم لما هاجروا إلى فرنسا، ولما اشتغلوا فيها، وهي التي لم تنفق في تكوينهم وتدريسهم شيئا؟!».
أدى خليل النعيمي الخدمة العسكرية، ولم يكملها ومنحنا عن هذه التجربة عملا روائيا جميلا، وهو «مديح الهرب». والقارئ المتمعن يكتشف أن العنوان رؤيوي، فكأنما المؤلف استبق الأمور واكتشفها بقلبه، وكأنما كان ينصح رفاقه الجنود بالهرب من جيش لم يؤسس لتحرير الجولان المغتصبة وإنما لقمع الشعب وترويضه. «ربما من يقرأ العنوان، بصفة سطحية، يحس بنوع من الحرج، ولكن الظروف الحالية، التي تشتد فيها ماكينة القمع، كشفت أن أفضل طريقة لانهيار النظام القمعي هي هروب الجنود من بين صفوف الجيش الذي يعتبر عمود النظام الفقري».
لمحاربة الاستبداد ساحات عديدة، لأن الاستبداد يتمظهر في ساحات عديدة، ولهذا فالكاتب خليل النعيمي، دارس الفلسفة في جامعة السوربون، الذي يعرف جيدا، ملخص نظرية الالتزام بشقيها السارتري والماركسي، لم ينتظر، حتى يجتمع الشعب لمحاربة هذا الطغيان، فقد كتب رواية «دمشق 67»، لتوصيف الأسباب التي أدت إلى الهزيمة الكبرى وإلى غياب الدور المنوط بالجيش.
الكثيرون من الذين قرأوا أعمال خليل النعيمي ومن الذين حاوروه ألحوا على معرفة سبب عدم كتابته عن باريس وهو الذي يقيم فيها منذ فترة طويلة، بدأوا يدركون أن الكتابة فعل صعب وأنها لا تأتي حسب الطلب. وأنها، أي الكتابة، إنما هي اختمار وتجربة وقراءة، بالمعنى المتعدد لكلمة القراءة.
ولكأن الكاتب خليل النعيمي يزداد شراسة مع اشتداد شراسة القمع في بلده. وها هي روايته الجديدة «لو وضعتم الشمس بين يدي»، وهي رواية كتبت قبل بداية الثورة السورية، تأتي في لحظة فارقة من تاريخ سوريا، كاشفة عن رؤيوية المؤلف وإنصاته العميق لصرخات وحركات شعبه. لكأن عنوان الرواية الرؤيوي يتحول إلى نشيد لإصرار الشعب على المقاومة والصبر والجلد، حتى النهاية.
يحتفل خليل النعيمي، ببراءة، بانتصارات الثورات العربية، ويعتبرها محطات ضرورية قبل انتصار الثورة السورية. «صدقني، لقد بكيت، بحق، في ميدان التحرير بالقاهرة. كنت هناك مؤخرا. الثورة المصرية هي ثورتي وثورة كل العرب. ولكن الفرحة لن تكتمل إلا حين سأكون في ساحة الأمويين الدمشقية!».
لا يخفي الكاتب علمه بالمآسي والفظائع التي تطال أبناء شعبه، من تقتيل وترحيل وتهجير، وهي ضريبة الثورة، ولكنه، لا يظهر أدنى يأس من انتصار الثورة، ويترنم: «اشتدي أزمة تنفرجي.... قد آذن صبحك بالبلج!».
Patrick Besson الكاتب الفرنسي خصّ الشاعرة السورية مرام المصري بمقال جميل
باتريك بيسون.. ناقد متفرد في رتابة الساحة الثقافية الفرنسية
يترقبه المكرسون بحذر وينتظره القرّاء بلهفة
باريس: محمد المزديوي
«حينما أقرأ الصحافة الأدبية ينتابني انطباع بأنّي كاهن كنيسة
وفيها كثير من البلهاء يأتون لأكل البطاطا المقلية»
(باتريك بيسون)
لا حاجة للبرهنة على أن ثمة فارقاً كبيراً ما بين النقد الأدبي الأكاديمي الفرنسي كما يُدرَّس في الجامعات ويُعبَّر عنه في مجلات أدبية ونخبوية مهمة وبين النقد الثقافي الفرنسي كما يجده القارئ في الملاحق الثقافية والأدبية للصحف الفرنسية والمجلات الأسبوعية. ولأن الكثير، (لحسن الحظ ليس الكل)، من كبار النقاد الفرنسيين لا يجدون صدى كبيرا لكتاباتهم في كتب النخبة، فقد قرروا تبسيط كتاباتهم ونشرها في الصحف، وهكذا دخلوا في مسلسل الرفع من قيمة كتاب إلى أعلى عليين او تحطيمه وإنزاله إلى القاع الذي لا يوجد بعده قاع. ولكن الذي يجمع بين كل هؤلاء النقاد وممارسي تقديم الكتب، هو انضواؤهم تحت لواء مجلات أو ملاحق تمتاز باحترامها الشديد لخط تحريري وأيديولوجي واضح. من هنا فملحق "لوفيغارو" يتميز برؤيته وتعريفه للأدب الجيد، من خلال انخراطه في قراءة يمينية للأدب. تشتكي مازارين بانجو، مثلاً، ابنة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران من حقد لا يبرر من طرف ملحق "لوفيغارو" الثقافي. نفس الشيء ينطبق على ملحق صحيفة "لوموند" التي تختار من البداية من ستصوت له كي يفوز بالجوائز الأدبية، أو بجيوب القراء، وأيضا نفس الشيء يمكن تلمسه مع مجلة "ليزانروكيبتيبل" وغيرها.
كل شيء يبدو نمطيا في هذا الجو الثقافي الفرنسي. كل شيء يبدو نمطيا لولا بعض كتاب لا نمطيين يأتون ليكسروا الصورة الرتيبة. ومن بينهم أنجيلو رينالدي، الكاتب الروائي والناقد الذي كان معظم الروائيين يخشون مقالاته في "لوفيغارو" و"ليكسبريس"، ولكنه يبدو أنه وصل إلى مرحلة من الحكمة، إذْ أنتخب في الأكاديمية الفرنسية، فلم نعد نقرأ مقالاته اللاهبة.
الكاتب الذي يفرض نفسه بقوة، في هذا المشهد المتواطئ، هو باتريك بيسون Patrick Besson.
والذي يساعدنا، دفعة واحدة، على تصويره ككاتب مختلف عن القطيع، كونه يكتب في مجلات وصحف مختلفة المشارب الأدبية والسياسية والأيديولوجية، من مجلة "لوبوان" إلى صحيفة "لومانتيه"، ثم مجلة "ماريان"، وقبل هذا مع صحيفة "ليديو أنترناسيونال"(الأبله الدولي) التي كان يديرها الروائي والسجالي الفرنسي الراحل جون إيدرن هالييه.
إن عدم انضمام باتريك بيسون لطاقم مجلة أو صحيفة واحدة، يمنحنا دليلا آخر على أنه لا يعطي أهمية لأي انتماء لا للقطيع أو النخبة أو الحزب.
ولد باتريك بيسون في باريس في الأول من يونيو (حزيران) سنة 1956 من أب روسي وأمّ كرواتية. ولكن هذا الامتزاج لم يؤثر كثيرا في شخصيته. فهو في حرب البلقان (وهذا دليل آخر على لا نمطيته) اتخذ موقفا لم يشاطره فيه إلا القليل، من بينهم ريجيس دوبريه بالطبع. وهو دعم لا مشروط لموقف الصرب من الحرب، على خلاف معظم الكتاب الفرنسيين، خصوصا المتصهينين منهم وعلى رأسهم برنار هنري ليفي وفينكلكروت وغوبيل وغيرهم، الذين ساندوا الكرواتيين والمسلمين.
وقد أبان بيسون عن نبوغ مبكر. نشر أول قصة قصيرة له في سن الرابعة عشرة من عمره، ثم كتب أول رواية له في ثلاثة أيام وثلاث ليال: "آلام الحب الصغرى". نشر أول كتاب له في سن السابعة عشرة، وفاز بالجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية في سنّ العشرين، وحصل على جائزة "رونودو" في سن الثلاثين. ويعتبر الآن، ومنذ سنة 2000، واحدا من أعضاء تحكيمها.
رواياته تثير دائما الكثير من الجدل وتسيل الكثير من الحبر. ومن النادر العثور في الأوسط الثقافية على من يكرهه أو يحبه باعتدال، على حد تعبير الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب: لا أريد الحب إلا عنيفا". روايته في هذا الدخول الأدبي 2007 حملت عنوان: Belle-sœur وصدرت عن دار "فايار". ولاقت الكثير من التقريظ، وإن كانت لن تفوز بالغونكور، حتما، لأسباب غير أدبية.
بالإضافة إلى مقالاته وكتبه، تظل قراءاته ومقالاته النقدية هي مما يثير الإزعاج والألم للكثير من المؤلفين. وهو يذهب بعيدا في رفض المحاباة أو الصفقات الثقافية، إلى درجة تجعله يغرد باستمرار خارج السرب وخارج الذائقة الأدبية السائدة.
سنأخذ مثالين للدلالة على ما نقوله: في المقال النقدي الأخير في العدد الأخير من مجلة ماريان (22 سبتمبر 2007) والمخصص لجديد الروائية الفرنسية ماري داريوسيك، نقرأ في العنوان: "المسار الجنائزي لماري داريوسيك". وهو عبارة عن استعراض لكلمة الموت في الرواية: "موت توم" ص10 "توم مات" ص11، و"ضريح توم" ص19. وهو استعراض يثقل كاهل القارئ من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة : "هكذا الأمر إلى أن نصل إلى الصفحة 247 حيث ينتهي دفن القارئ." يريد بيسون أن يشعرنا كقراء على أنه ليس فقط "توم" من مات، بل حتى القارئ أيضا.
عينه النقدية الجارحة لا تخص فقط عالم الكتب، بل تتعداه إلى السينما والمسرح والغناء والميديا بما فيها البرامج التي تتطرق بطريقة أو بأخرى للأدب والكتب. ودخل في مشاحنات عنيفة ضد العديد من النقاد والكتاب الفرنسيين ومن بينهم ميشيل بولاك ورومان غوبيل وديديي داينيكس وغيرهم.
ومن بين أهمّ مقالاته (وهو المثال الثاني)، التي لم يَخَفْ فيها لومة لائم، هي التي خصّ بها برنامج tout le monde en parle، لتيري أرديسون، عندما كان ضيفه الكبير هو الفكاهي الصهيوني إيلي سيمون Elie Semoun. والمقالة حملت عنوان: "كلمة إيلي سيمون الأخيرة"، الذي يصفه الكاتب بكونه: "يستطيع أن يكون مضحكا حين يشاء، وغبيا حين يفكّر."
في ذلك البرنامج الثقافي الترفيهي، كان أرديسون يستقبل أيضاً الكاتب الفرنسي الكبير رونو كامي Renaud Camus. كاتب لا يراه الناس، كثيرا، في التلفزيون. وكانت الفترة هي فترة "قضية كامي" التي ابتدأت حينما كتب كامي في مذكراته الحميمية "بادية فرنسا" أنه يتواجد كثيرٌ من اليهود في برنامج "بانوراما" الذي يقدمه راديو "فرانس كولتور". يعلق بيسون على الأمر بالقول: "لا يوجد كثير من اليهود في "بانوراما" فرانس كولتور، بل يوجد كثير من الأغبياء. ثلاث جمل في كتاب يتضمن الآلاف منها، كان الأمر كافيا كي يَغْضَبَ المجتمع الأدبي الطيب. المثقفون يعشقون الاستنكار. يعتقدون أن الاستنكار سيمنحهم الشرف، خصوصا حينما يتعلق الأمر بإغراق زميل لهم. صحيح أن عددهم كبيرٌ جدا، عددهم يفوق الحد. يتوجب التصفية. وبالمناسبة يتوجب تصفية رونو كامي."
كان إيلي سيمون، ينضح غضبا وحقدا، وهو يرى كامي بجانبه في البرنامج . كان يتصور أنه "بجوار حيوان نجس". فيسأل، وهو يتقنفذ حقدا بابتسامة فيها تكلّف الكاتبَ إن لم يكن يرى أنه يتواجد كثيرٌ من المثليين الجنسيين في مجال الاستعراضات الفنية. يسأل إيلي سيمون عن هذا لأنه يعرف أن الكاتب كامي مثلي جنسي. يعلّق باتريك بيسون على الأمر: "أنا لم أجد ما الذي يمكن أن يربط ما بين اليهودي والمثليّ". ولكن رونو كامي عرف كيف يخرج من المصيدة، حين قال: "لو أني اكتشفتُ أن ثمة برنامجا في راديو فرانس كولتور، كل المتدخّلين فيه من المثليين. وإذا كان هؤلاء لا يتحدثون سوى عن مواضيع مثلية، فسوف أحتجّ." يرسم بيسون صورة عن خروج كامي من البرنامج: "تحت وقع تصفيقات هزيلة ومتضايقة. أحببتُ ظهره الثقيل والأزرق المعبّر عن محارب منذهل من حرية التعبير." عين الصقر بيسون، تتابع من دون توقف تتَابُع المَشَاهد على الشاشة: "تأتي الممثلة أنّا موغلاليس التي تسوّق منتجات شانيل للعطور. يخاطب أرديسون، مُعدّ البرنامج، ضيفه الفكاهي سيمون: ها أنت ترى، كنت وعدتك بحضور فتيات جميلات هنا يردّ سيمون: "نعم، ولكنّ (المرأة) الصلعاء ذات الشارب، لم أحبّها كثيرا." ينهي باتريك بيسون مقاله: "هكذا كانت كلمة إيلي سيمون الأخيرة: نكتة عنصرية." انتقادات باتريك بيسون طالت الكثيرين، ومن بينهم فيليب سوليرز بالطبع، ومن يسير في دائرته خصوصا طاقم ملحق الكتب لصحيفة "لوموند".
في كل أسبوع يترقب كاتب ما، خصوصا المُكرَّسين، سرير التشريح، سرير باتريك بيسون، بقلق وحذر، في حين أن القارئ ينتظره بألف تلهف. هو لوحده ظاهرة في الوسط الثقافي الفرنسي. وهو ما يدفعنا أن نزعم بالفعل، إذا ما استعرنا جملة من المأثور الإسلامي، إنه يمكن اعتباره "أُمّة وحده". في فرنسا، بالطبع.
«حينما أقرأ الصحافة الأدبية ينتابني انطباع بأنّي كاهن كنيسة
وفيها كثير من البلهاء يأتون لأكل البطاطا المقلية»
(باتريك بيسون)
لا حاجة للبرهنة على أن ثمة فارقاً كبيراً ما بين النقد الأدبي الأكاديمي الفرنسي كما يُدرَّس في الجامعات ويُعبَّر عنه في مجلات أدبية ونخبوية مهمة وبين النقد الثقافي الفرنسي كما يجده القارئ في الملاحق الثقافية والأدبية للصحف الفرنسية والمجلات الأسبوعية. ولأن الكثير، (لحسن الحظ ليس الكل)، من كبار النقاد الفرنسيين لا يجدون صدى كبيرا لكتاباتهم في كتب النخبة، فقد قرروا تبسيط كتاباتهم ونشرها في الصحف، وهكذا دخلوا في مسلسل الرفع من قيمة كتاب إلى أعلى عليين او تحطيمه وإنزاله إلى القاع الذي لا يوجد بعده قاع. ولكن الذي يجمع بين كل هؤلاء النقاد وممارسي تقديم الكتب، هو انضواؤهم تحت لواء مجلات أو ملاحق تمتاز باحترامها الشديد لخط تحريري وأيديولوجي واضح. من هنا فملحق "لوفيغارو" يتميز برؤيته وتعريفه للأدب الجيد، من خلال انخراطه في قراءة يمينية للأدب. تشتكي مازارين بانجو، مثلاً، ابنة الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران من حقد لا يبرر من طرف ملحق "لوفيغارو" الثقافي. نفس الشيء ينطبق على ملحق صحيفة "لوموند" التي تختار من البداية من ستصوت له كي يفوز بالجوائز الأدبية، أو بجيوب القراء، وأيضا نفس الشيء يمكن تلمسه مع مجلة "ليزانروكيبتيبل" وغيرها.
كل شيء يبدو نمطيا في هذا الجو الثقافي الفرنسي. كل شيء يبدو نمطيا لولا بعض كتاب لا نمطيين يأتون ليكسروا الصورة الرتيبة. ومن بينهم أنجيلو رينالدي، الكاتب الروائي والناقد الذي كان معظم الروائيين يخشون مقالاته في "لوفيغارو" و"ليكسبريس"، ولكنه يبدو أنه وصل إلى مرحلة من الحكمة، إذْ أنتخب في الأكاديمية الفرنسية، فلم نعد نقرأ مقالاته اللاهبة.
الكاتب الذي يفرض نفسه بقوة، في هذا المشهد المتواطئ، هو باتريك بيسون Patrick Besson.
والذي يساعدنا، دفعة واحدة، على تصويره ككاتب مختلف عن القطيع، كونه يكتب في مجلات وصحف مختلفة المشارب الأدبية والسياسية والأيديولوجية، من مجلة "لوبوان" إلى صحيفة "لومانتيه"، ثم مجلة "ماريان"، وقبل هذا مع صحيفة "ليديو أنترناسيونال"(الأبله الدولي) التي كان يديرها الروائي والسجالي الفرنسي الراحل جون إيدرن هالييه.
إن عدم انضمام باتريك بيسون لطاقم مجلة أو صحيفة واحدة، يمنحنا دليلا آخر على أنه لا يعطي أهمية لأي انتماء لا للقطيع أو النخبة أو الحزب.
ولد باتريك بيسون في باريس في الأول من يونيو (حزيران) سنة 1956 من أب روسي وأمّ كرواتية. ولكن هذا الامتزاج لم يؤثر كثيرا في شخصيته. فهو في حرب البلقان (وهذا دليل آخر على لا نمطيته) اتخذ موقفا لم يشاطره فيه إلا القليل، من بينهم ريجيس دوبريه بالطبع. وهو دعم لا مشروط لموقف الصرب من الحرب، على خلاف معظم الكتاب الفرنسيين، خصوصا المتصهينين منهم وعلى رأسهم برنار هنري ليفي وفينكلكروت وغوبيل وغيرهم، الذين ساندوا الكرواتيين والمسلمين.
وقد أبان بيسون عن نبوغ مبكر. نشر أول قصة قصيرة له في سن الرابعة عشرة من عمره، ثم كتب أول رواية له في ثلاثة أيام وثلاث ليال: "آلام الحب الصغرى". نشر أول كتاب له في سن السابعة عشرة، وفاز بالجائزة الكبرى للأكاديمية الفرنسية في سنّ العشرين، وحصل على جائزة "رونودو" في سن الثلاثين. ويعتبر الآن، ومنذ سنة 2000، واحدا من أعضاء تحكيمها.
رواياته تثير دائما الكثير من الجدل وتسيل الكثير من الحبر. ومن النادر العثور في الأوسط الثقافية على من يكرهه أو يحبه باعتدال، على حد تعبير الشاعر العراقي الكبير مظفر النواب: لا أريد الحب إلا عنيفا". روايته في هذا الدخول الأدبي 2007 حملت عنوان: Belle-sœur وصدرت عن دار "فايار". ولاقت الكثير من التقريظ، وإن كانت لن تفوز بالغونكور، حتما، لأسباب غير أدبية.
بالإضافة إلى مقالاته وكتبه، تظل قراءاته ومقالاته النقدية هي مما يثير الإزعاج والألم للكثير من المؤلفين. وهو يذهب بعيدا في رفض المحاباة أو الصفقات الثقافية، إلى درجة تجعله يغرد باستمرار خارج السرب وخارج الذائقة الأدبية السائدة.
سنأخذ مثالين للدلالة على ما نقوله: في المقال النقدي الأخير في العدد الأخير من مجلة ماريان (22 سبتمبر 2007) والمخصص لجديد الروائية الفرنسية ماري داريوسيك، نقرأ في العنوان: "المسار الجنائزي لماري داريوسيك". وهو عبارة عن استعراض لكلمة الموت في الرواية: "موت توم" ص10 "توم مات" ص11، و"ضريح توم" ص19. وهو استعراض يثقل كاهل القارئ من الصفحة الأولى إلى الصفحة الأخيرة : "هكذا الأمر إلى أن نصل إلى الصفحة 247 حيث ينتهي دفن القارئ." يريد بيسون أن يشعرنا كقراء على أنه ليس فقط "توم" من مات، بل حتى القارئ أيضا.
عينه النقدية الجارحة لا تخص فقط عالم الكتب، بل تتعداه إلى السينما والمسرح والغناء والميديا بما فيها البرامج التي تتطرق بطريقة أو بأخرى للأدب والكتب. ودخل في مشاحنات عنيفة ضد العديد من النقاد والكتاب الفرنسيين ومن بينهم ميشيل بولاك ورومان غوبيل وديديي داينيكس وغيرهم.
ومن بين أهمّ مقالاته (وهو المثال الثاني)، التي لم يَخَفْ فيها لومة لائم، هي التي خصّ بها برنامج tout le monde en parle، لتيري أرديسون، عندما كان ضيفه الكبير هو الفكاهي الصهيوني إيلي سيمون Elie Semoun. والمقالة حملت عنوان: "كلمة إيلي سيمون الأخيرة"، الذي يصفه الكاتب بكونه: "يستطيع أن يكون مضحكا حين يشاء، وغبيا حين يفكّر."
في ذلك البرنامج الثقافي الترفيهي، كان أرديسون يستقبل أيضاً الكاتب الفرنسي الكبير رونو كامي Renaud Camus. كاتب لا يراه الناس، كثيرا، في التلفزيون. وكانت الفترة هي فترة "قضية كامي" التي ابتدأت حينما كتب كامي في مذكراته الحميمية "بادية فرنسا" أنه يتواجد كثيرٌ من اليهود في برنامج "بانوراما" الذي يقدمه راديو "فرانس كولتور". يعلق بيسون على الأمر بالقول: "لا يوجد كثير من اليهود في "بانوراما" فرانس كولتور، بل يوجد كثير من الأغبياء. ثلاث جمل في كتاب يتضمن الآلاف منها، كان الأمر كافيا كي يَغْضَبَ المجتمع الأدبي الطيب. المثقفون يعشقون الاستنكار. يعتقدون أن الاستنكار سيمنحهم الشرف، خصوصا حينما يتعلق الأمر بإغراق زميل لهم. صحيح أن عددهم كبيرٌ جدا، عددهم يفوق الحد. يتوجب التصفية. وبالمناسبة يتوجب تصفية رونو كامي."
كان إيلي سيمون، ينضح غضبا وحقدا، وهو يرى كامي بجانبه في البرنامج . كان يتصور أنه "بجوار حيوان نجس". فيسأل، وهو يتقنفذ حقدا بابتسامة فيها تكلّف الكاتبَ إن لم يكن يرى أنه يتواجد كثيرٌ من المثليين الجنسيين في مجال الاستعراضات الفنية. يسأل إيلي سيمون عن هذا لأنه يعرف أن الكاتب كامي مثلي جنسي. يعلّق باتريك بيسون على الأمر: "أنا لم أجد ما الذي يمكن أن يربط ما بين اليهودي والمثليّ". ولكن رونو كامي عرف كيف يخرج من المصيدة، حين قال: "لو أني اكتشفتُ أن ثمة برنامجا في راديو فرانس كولتور، كل المتدخّلين فيه من المثليين. وإذا كان هؤلاء لا يتحدثون سوى عن مواضيع مثلية، فسوف أحتجّ." يرسم بيسون صورة عن خروج كامي من البرنامج: "تحت وقع تصفيقات هزيلة ومتضايقة. أحببتُ ظهره الثقيل والأزرق المعبّر عن محارب منذهل من حرية التعبير." عين الصقر بيسون، تتابع من دون توقف تتَابُع المَشَاهد على الشاشة: "تأتي الممثلة أنّا موغلاليس التي تسوّق منتجات شانيل للعطور. يخاطب أرديسون، مُعدّ البرنامج، ضيفه الفكاهي سيمون: ها أنت ترى، كنت وعدتك بحضور فتيات جميلات هنا يردّ سيمون: "نعم، ولكنّ (المرأة) الصلعاء ذات الشارب، لم أحبّها كثيرا." ينهي باتريك بيسون مقاله: "هكذا كانت كلمة إيلي سيمون الأخيرة: نكتة عنصرية." انتقادات باتريك بيسون طالت الكثيرين، ومن بينهم فيليب سوليرز بالطبع، ومن يسير في دائرته خصوصا طاقم ملحق الكتب لصحيفة "لوموند".
في كل أسبوع يترقب كاتب ما، خصوصا المُكرَّسين، سرير التشريح، سرير باتريك بيسون، بقلق وحذر، في حين أن القارئ ينتظره بألف تلهف. هو لوحده ظاهرة في الوسط الثقافي الفرنسي. وهو ما يدفعنا أن نزعم بالفعل، إذا ما استعرنا جملة من المأثور الإسلامي، إنه يمكن اعتباره "أُمّة وحده". في فرنسا، بالطبع.
الثلاثاء، 16 أكتوبر 2012
عبد الوهاب المؤدب VS طارق رمضان
| في برنامج تلفزيوني فرنسي | |
| طارق رمضان وعبدالوهاب المؤدب يتواجهان ثقافياً | |
2008-02-02
باريس - أبوالقاسم الشريف يعتبر برنامج «Ce soir ou jamais» الذي يشرف عليه الصحافي الشاب فرديريك تاديي في القناة الفرنسية الثالثة من أهم البرامج الثقافية والفكرية في فرنسا، وهو يمتلك حرية كبيرة في دعوة معظم الكتاب والمثقفين الذين لا يمكنهم، لسبب أو لآخر، زيارة القنوات الأخرى التي يسيطر عليها أنصار الفكر الواحد، والفكر الصهيوني.. لقد أتاح هذا البرنامج الذي يبثّ كل يوم (من الإثنين إلى الخميس) في الساعة الحادية عشرة والنصف ليلا، للجمهور، رغم الساعة المتأخرة للبرنامج، رؤية ومشاهدة برامج مختلفة ليست نمطية، ما قاده لاستلال إعجاب الكثير من الكتاب الذين تصورنا أنهم ماتوا أو توقفوا عن الكتابة والنشر، ومنذ ظهور البرنامج بدؤوا يرتادونه ومن بينهم مارك إدوارد ناب صاحب( كتاب: 11 سبتمبر، بارقة أمل) كما أننا نرى، وبكثير من الفرح، من حين لآخر، ممثلين وناطقين باسم «أندجين الجمهورية» (التي تعتبر حاليا من الجمعيات القليلة التي تلعب دور المعارضة للاكتساح الساركوزي لكل الآفاق ولكل مناحي الحياة في فرنسا). نهاية الأسبوع المنصرم، كان للجمهور أن يستمتع بحوار عاصف، لا يخلو من فائدة، بين مفكرّين أو مثقفين من أصول عربية إسلامية، الفرنسي التونسي عبدالوهاب المؤدب والمصري السويسري طارق رمضان. ورغم أن الجوّ السجالي كان له دور تخريبي في الأمر، إذ إن الكثير من المسائل لم تُثَر كما يجب، خصوصا التي تتعلق بدور الإسلام في أوروبا، والعلاقة ما بين الإسلام والمرأة، وكذا الاجتهاد، والديمقراطية، فإن المتعة كانت حاضرة، وبقوة. ولكن من شاهد البرنامج -متوفر على موقع القناة الثالثة الإلكتروني- يمكنه أن يرى بوضوح الحالة الصعبة التي كان عليها المفكر عبدالوهاب المؤدب، إذْ أتى وفي جعبته الكثير من الاتهامات والشتائم والكثير جدا من التحامل على زميله طارق رمضان الذي ظل هادئا ولبقا في أجوبته. احتكر المؤدب الكلام، وقاطع زميله طارق رمضان كثيرا من المرات، وكأنه تصور أن من يتكلم أكثر هو من يفوز بالضربة القاضية، كما هو الحال في صراع انتخابي أو في الملاكمة. جاء المؤدب للدفاع عن كتابه الجديد «الخروج من اللعنة»، الذي تحدثت عنه صحيفة «العرب» في الأيام القليلة الماضية، كما أنه جاء للدفاع عن أطروحاته السابقة التي تضمّنها كتابه «مرض الإسلام»، ولكنه لم يكن مُوفَّقا على الإطلاق، بدا متهيِّجا، وهو يُعيّر طارق رمضان بجده (من أمه، بالطبع) مؤسس الإخوان المسلمين، ويقول إن حسن البنّا هو من بدأ المرض، أو من تسبب فيه. وإن البنّا كتب رسائل تافهة (في حين أنه عجز عن ذكْر اسم اثنين من هذه الرسائل) وإنه كان ضد المرأة.. كان رد طارق رمضان بأنه يتوجب وضع كل شخصية في إطار تاريخها وبيئتها، وأكّد أن كل بنات البنّا متخرجات جامعيات مرموقات، وأنه توجد الكثير من نساء العائلة ممن لا يحملن حجابا أو برقعا. ناقش طارق ما ورد من مغالطات وسوء فهم للمفاهيم في كتاب المؤدب، وخصوصا مطالبته بإزالة الجهاد والشريعة من الدساتير الإسلامية، إذ قال رمضان إن المؤدب، الأديب، لا يعرف الفقه لأن «الشريعة» لا تعني، حرفيا، ما قصده المؤدب وإن «الجهاد» لا يعني ما يقصد المؤدب، وإنه كان عليه أن يستعمل مكانه «القتال»، مثلا، لأن الجهاد نبيل والنبي أوصانا بالجهاد الأكبر، الذي لا يعني الحرب على الإطلاق... وذهب طارق رمضان في شرحه لواجب التمييز، في الحرب، ما بين الدفاع عن النفس وبين الهجوم، وأكّد على أن الدفاع عن النفس واجب، وتضمنه كل القوانين الدولية. لكن المؤدب كان له رأي آخر، يذهب إلى حدّ التحقير من استعمال مناضلي الجزائر لمصطلح «الجهاد» و «المجاهدين» في حربهم التحريرية، بدعوى أن هذين المصطلحين هما اللذان تسبّبا في الحرب الأهلية التي عرفتها الجزائر (وهو رأي مماثل لبوعلام صلصال، كما ورد في صحيفة «العرب»). كان المؤدب متهيجا، مما جعله يسقط في مغالطات وأخطاء يمكن أن تشوّه من مكانته الثقافية، منها أنه كان مع الأميركان في 11 سبتمبر 2001 وأنه كان منسجما ومتوافقا مع فكرة بوش الفاشية: «إما أن تكونوا معنا أو ضدنا» (على عكس طارق رمضان الذي قال إنه يمكن للمرء أن يكون ضد القاعدة وضد بوش، معا). والغريب أن المؤدب المقيم في بلد الديمقراطية، يقول إنه يمكن له أن يؤيد دولا إسلامية وعربية غير ديمقراطية بشرط أن تكون علمانية (تونس وتركيا)! كما خلط ذات المتحدث بين الإمام مالك بن أنس وبين تلميذه الشاطبي، وبين الله والحق، إذ قال صارخا، بنشوة ما، «أنا الله» كما قال الحلاج، فقال طارق رمضان بهدوء «الجملة مغلوطة لأن الحلاج قال (أنا الحق)، والحق رغم أنها من أسماء الله الحسنى لا تعني الله». لم يستطع طارق رمضان أن يشرح كثيرا أفكاره لأن المؤدب كان يقاطعه ويقذفه بأسئلة مستفزة، وهي نفس الطريقة التي سبق لساركوزي، حينما كان وزيرا للداخلية، أن استخدمها ضد طارق، وكانت تلعب على وتر الانفعال والاهتياج، كما استعان المؤدب بأمثلة ماكرة للإيقاع بطارق رمضان، وربما كانت نية المؤدب من البداية هي الإيقاع بصاحبه ودفعه للانفعال والخطأ أو الغضب، وهو ما فشل فيه فشلا ذريعا. لنعترف بأن الصحافيّ فريديريك تاديي ترك الحرية الكاملة للمفكرين (وهو أمر نادر في البرامج الأخرى)، ولكن ارتباك المؤدب حرمنا من متعة مقارعة الحجة بالحجة.. ذلك التقليد الفقهي والاجتهادي الإسلامي الرفيع. | |
Pascal QUIGNARD en arabe
صدور الترجمة العربية لرواية باسكال كينيارد "فيلا أماليا" من إنجاز المغربي محمد المزديوي
و م ع
الاثنين 4 يونيو 2012
الرباط - صدرت عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت الترجمة العربية لرواية الكاتب الفرنسي باسكال كينيارد "فيلا أماليا"٬ من إنجاز الكاتب المغربي محمد المزديوي.
ويتيح هذا الكتاب المترجم الذي صدر ضمن سلسلة "إبداعات عالمية"٬ بمراجعة ليلى عثمان فضل٬ لقراء العربية التعرف على عوالم أحد كبار كتاب فرنسا٬ الحائز على جائزة غونكور عام 2002.
وينضاف هذا الإصدار إلى قائمة منوعة من مترجمات الكاتب المغربي محمد المزديوي٬ المقيم في فرنسا٬ حيث ترجم العشرات من الكتب والروايات الفرنسية من بينها "الأمير الصغير" لسانت إيكزوبيري و"مقهى الشباب الضائع" لباتريك موديانو و"احتمال جزيرة" لميشيل ويلبيك. كما ترجم "نجوم سديي مومن" لماحي بينبين و"المتمردة" لمليكة مقدم.
وتتناول الرواية التي صدرت عن دار "غاليمار" عام 2006٬ قصة سيدة موسيقية٬ آن هيدن٬ تقطن في الضاحية الباريسية ٬ وعندما تكتشف خيانة رفيقها تقرر التخلي عن كل شيء أنجزته في حياتها٬ من أجل البحث عن حياة جديدة ترتكز على عشقها للموسيقى٬ "الصديق الوفي الذي لا يخون"٬ فتسافر إلى جنوب إيطاليا حيث "فيلا أماليا".
ترسم الرواية التي أعادت باسكال كينيارد إلى فن السرد بعد توقف٬ الحياة المعاصرة من خلال تشضيها٬ ومن خلال المشاكل التي تحدث بين الأزواج وفي العلاقات السريعة التي تسم العصر٬ وتشكل طبيعته الغالبة.
وينضاف هذا الإصدار إلى قائمة منوعة من مترجمات الكاتب المغربي محمد المزديوي٬ المقيم في فرنسا٬ حيث ترجم العشرات من الكتب والروايات الفرنسية من بينها "الأمير الصغير" لسانت إيكزوبيري و"مقهى الشباب الضائع" لباتريك موديانو و"احتمال جزيرة" لميشيل ويلبيك. كما ترجم "نجوم سديي مومن" لماحي بينبين و"المتمردة" لمليكة مقدم.
وتتناول الرواية التي صدرت عن دار "غاليمار" عام 2006٬ قصة سيدة موسيقية٬ آن هيدن٬ تقطن في الضاحية الباريسية ٬ وعندما تكتشف خيانة رفيقها تقرر التخلي عن كل شيء أنجزته في حياتها٬ من أجل البحث عن حياة جديدة ترتكز على عشقها للموسيقى٬ "الصديق الوفي الذي لا يخون"٬ فتسافر إلى جنوب إيطاليا حيث "فيلا أماليا".
ترسم الرواية التي أعادت باسكال كينيارد إلى فن السرد بعد توقف٬ الحياة المعاصرة من خلال تشضيها٬ ومن خلال المشاكل التي تحدث بين الأزواج وفي العلاقات السريعة التي تسم العصر٬ وتشكل طبيعته الغالبة.
Stéphane Hessel ستيفان هيسيل
صاحب كتيب «عبروا عن سخطكم» يقترب من مئويته ويبيع مليوني نسخة
ستيفان هيسيل لـ«الشرق الأوسط»: رفض توني بلير الالتقاء بقادة حماس غباء سياسي
باريس: محمد المزديوي
من كان يتصور أن كتابا صغيرا يمكنه أن يصنع الحدث ويثير غيرة كبار المفكرين والمتخصصين في إعطاء الدروس الأخلاقية والسياسية (الذين يشكون من ضعف مبيعات مؤلفاتهم!)؟ وبالفعل استطاع كتيّب أو دفتر عنوانه «عبّروا عن سخطكم» لستيفان هيسيل، والصادر عن دار نشر صغيرة «أندجين» أن يتجاوز رقم المليونين في 15 ترجمة، كما ذكر لصحيفة «الشرق الأوسط». ويبدو أن الدهشة أصابت حتى مؤلفه، فقد قال هيسيل بأنه تفاجأ من رواج الكتاب «تصورت أنه يمكن بيع بضعة آلاف، فقط»، كما قال لنا. ولعلّ من الضروري التذكير بأن المؤلف، هو في سن الثالث والتسعين (ولد سنة 1917)، ولا يتوقف عن السفر وإلقاء محاضرات ومناقشة كل الأجيال عن الراهن الفرنسي، وما فيه من عنصرية، تجاه المهاجرين والغجر ورغبة في الانطواء، وعن الراهن الدولي، أي العولمة والليبرالية المتوحشة وديكتاتورية الأسواق المالية، ومختلف مظاهر الظلم، وخاصة الظلم التاريخي الذي يطال الشعب الفلسطيني. وهنا أيضا نذكر بأنه من أصل يهودي، وعاش في معسكرات الاعتقال النازية، وكاد أن يعدم لولا أنه استبدل باسمه، قبيل المناداة عليه، اسم أحد الذين تعرضوا للإعدام، ونجح في الفرار مرات عديدة من جحيم هتلر. وأصبح موظفا أمميا ساميا ساهم في إعداد «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» سنة 1948. ومن حينها أصبح سفيرا دائما.
14 صفحة يتضمنها الكتيّب (إضافة إلى تصدير من الناشرة)، وهو مقسم إلى العناوين التالية: 1 - الدافع إلى المقاومة هو الاحتجاج، 2 - رؤيتان للتاريخ «كان الانخراط في المقاومة، بالنسبة لنا بسيطا، نسبيا. المقاومة تقتضي رفض الاحتلال الألماني والهزيمة. وكان بسيطا ما جاء بعدها من تفكيك للاستعمار. ثم حرب الجزائر، كان يجب منح الاستقلال للجزائر. الأمر بدهي». (ص. 12)، والرؤية الثانية سوداوية، ومن بين القائلين بها المفكر الألماني، صديق العائلة، والتر بنيامين (بالنسبة لوالتر بنيامين، الذي انتحر في سبتمبر/أيلول 1940 هربا من النازية، فإن معنى التاريخ، هو الانتقال من كارثة إلى أخرى) (ص. 13).3 - عدم الاكتراث: أسوأ المواقف. 4 - احتجاجي بخصوص فلسطين. 5 - اللاعنف، الطريق الذي يتوجب علينا اتباعه. 6 - من أجل عصيان سلمي.
وإذا كان الكتيب الصغير طافحا بقضايا هامة وشاملة. فإن «الشرق الأوسط» طرحت بعض الأسئلة التي تخص الشجن العربي والفلسطيني على هذا الرجل الذي يقترب من مئويته. وكان أول سؤال بخصوص الموقف المعارض، إن لم نقل المعادي، الذي يتعرض له، وهو اليهودي الناجي من المحرقة، من قبل المفكرين اليهود الفرنسيين، ومن بينهم ليفي وفينكلكروت، الذي وصف هيسيل، في مجلة «نوفيل أوبسرفاتور»، بأنه من البوبو (أي من شريحة البورجوازيين البوهيميين، التي تمارس النضال كترف). يرد هيسيل بأن هؤلاء يتناسون أنني كنت منخرطا في أشكال النضال المختلفة من سنواتي الأولى. إن هؤلاء يسيئون إلى قضيتهم التي يدافعون عنها، وهي إسرائيل، من حيث يتصورن أنهم ينصرونها (اللقاء مع هيسيل تم في مكتبة مونتروي، وتخلله هجوم على المكتبة من قبل عصابات يهودية، تنادي بالموت للفلسطينيين والحياة لإسرائيل، وتتهم هيسيل بالعمالة للفلسطينيين). «إنهم أوغاد، هؤلاء! لم يدافع عن إسرائيل أحد مثلما فعلت أنا».
يكتب هيسيل: «هل يفيد في شيء إطلاق حماس الصواريخ على سديروت؟ الجواب هو لا، ولكن يمكن تفسير هذا العمل بسخط الغزّاويين. وفي مفهوم السخط يجب تفهم العنف كنتيجة مؤسفة لوضعية غير مقبولة بالنسبة لمن يعانون منها. (...) السخط هو إنكار الأمل. وهو أمر مفهوم، بل أكاد أقول إنه طبيعي».
سألنا هيسيل عن زيارته إلى غزة، ولقاءاته مع القيادات الفلسطينية، هناك (إسماعيل هنية وآخرين). فأجاب: لا يمكن لنا أن نزور غزة من دون الاتصال بمن يُدير المنطقة سياسيا وعسكريا، ولا يضيرنا في شيء الاستماع إليهم، وأؤكد لك أن اللقاء كان إيجابيا، وسمعنا من قادة حماس رغبة في الهدنة وفي السلام. وأنا أنتهز هذه الفرصة لأندد برفض توني بلير، رئيس اللجنة الرباعية، الالتقاء بقادة حماس. وأعتبر تصرفه نوعا من الغباء السياسي.
لا يتصورن أحد أن هيسيل لا يضع في باله إسرائيل حين يتخذ مواقفه، فإذا كان في السابق قد قال إنه من أكثر المدافعين عن إسرائيل فهو صادق. نسأله عن كيفية الخروج من تشابكات وتعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي، فيجيبنا بضرورة «إعمال الذكاء»، مكررا احترام الشرعية الدولية وقراراتها وتوصياتها. وهنا نسأله عن كيفية «إعمال الذكاء» من أجل تنفيذ واحترام القرارات الدولية، وخاصة «قرار عودة اللاجئين». هنا يتردد الرجل العجوز. حق العودة هو مقتل كل الغربيين. ويرد: «ثمة مسؤوليات كثيرة تتعلق بهذا القرار، والمسؤولية الأهم تقع على عاتق الدول التي استضافت هؤلاء الفلسطينيين.. أي الدول العربية.. تستطيع إسرائيل استقبال أعداد منهم، لكن لا يمكنها أن تستقبلهم جميعا، وإلا فلا وجود لدولة إسرائيل، العضو في المجتمع الدولي».
ثمة قواسم مشتركة تجمع بين المفكرين والساسة اليهود خارج إسرائيل (أقلية ضئيلة جدا تنفي فكرة وطن لليهود!)، ولكن ثمة أيضا اختلافات بين تياراتهم، إذ الفرق كبير بين رؤية ليفي وأدلير وفنكلكروت وغيرهم وبين مجموعة أخرى تتعرض، أحيانا للتحريم اليهودي والاتهامات بالخيانة بل والمحاكمات. لقد تدخّل اللوبي الصهيوني القوي في فرنسا لإلغاء ندوة تجمع ليلى شهيد برادة وستيفان هيسيل وريجيس دوبريه حول مقاطعة إسرائيل، وقبلها حوكم المفكر (الفرنسي اليهودي) إدغار موران بسبب مقال ينتصر لعدالة القضية الفلسطينية.
يقلق الصهاينة كثيرا حين يتصدى واحد من أبناء الطائفة اليهودية لجرائم إسرائيل، ويلجأون، أحيانا للعنف. غاظهم نجاح كتيّب ستيفان هيسيل وغاظتهم مواقف موران وآخرون. لعلّ الفلسطينيين يوظّفون هذا المدد في الانتصار لقضيتهم. لعلهم!
من كان يتصور أن كتابا صغيرا يمكنه أن يصنع الحدث ويثير غيرة كبار المفكرين والمتخصصين في إعطاء الدروس الأخلاقية والسياسية (الذين يشكون من ضعف مبيعات مؤلفاتهم!)؟ وبالفعل استطاع كتيّب أو دفتر عنوانه «عبّروا عن سخطكم» لستيفان هيسيل، والصادر عن دار نشر صغيرة «أندجين» أن يتجاوز رقم المليونين في 15 ترجمة، كما ذكر لصحيفة «الشرق الأوسط». ويبدو أن الدهشة أصابت حتى مؤلفه، فقد قال هيسيل بأنه تفاجأ من رواج الكتاب «تصورت أنه يمكن بيع بضعة آلاف، فقط»، كما قال لنا. ولعلّ من الضروري التذكير بأن المؤلف، هو في سن الثالث والتسعين (ولد سنة 1917)، ولا يتوقف عن السفر وإلقاء محاضرات ومناقشة كل الأجيال عن الراهن الفرنسي، وما فيه من عنصرية، تجاه المهاجرين والغجر ورغبة في الانطواء، وعن الراهن الدولي، أي العولمة والليبرالية المتوحشة وديكتاتورية الأسواق المالية، ومختلف مظاهر الظلم، وخاصة الظلم التاريخي الذي يطال الشعب الفلسطيني. وهنا أيضا نذكر بأنه من أصل يهودي، وعاش في معسكرات الاعتقال النازية، وكاد أن يعدم لولا أنه استبدل باسمه، قبيل المناداة عليه، اسم أحد الذين تعرضوا للإعدام، ونجح في الفرار مرات عديدة من جحيم هتلر. وأصبح موظفا أمميا ساميا ساهم في إعداد «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان» سنة 1948. ومن حينها أصبح سفيرا دائما.
14 صفحة يتضمنها الكتيّب (إضافة إلى تصدير من الناشرة)، وهو مقسم إلى العناوين التالية: 1 - الدافع إلى المقاومة هو الاحتجاج، 2 - رؤيتان للتاريخ «كان الانخراط في المقاومة، بالنسبة لنا بسيطا، نسبيا. المقاومة تقتضي رفض الاحتلال الألماني والهزيمة. وكان بسيطا ما جاء بعدها من تفكيك للاستعمار. ثم حرب الجزائر، كان يجب منح الاستقلال للجزائر. الأمر بدهي». (ص. 12)، والرؤية الثانية سوداوية، ومن بين القائلين بها المفكر الألماني، صديق العائلة، والتر بنيامين (بالنسبة لوالتر بنيامين، الذي انتحر في سبتمبر/أيلول 1940 هربا من النازية، فإن معنى التاريخ، هو الانتقال من كارثة إلى أخرى) (ص. 13).3 - عدم الاكتراث: أسوأ المواقف. 4 - احتجاجي بخصوص فلسطين. 5 - اللاعنف، الطريق الذي يتوجب علينا اتباعه. 6 - من أجل عصيان سلمي.
وإذا كان الكتيب الصغير طافحا بقضايا هامة وشاملة. فإن «الشرق الأوسط» طرحت بعض الأسئلة التي تخص الشجن العربي والفلسطيني على هذا الرجل الذي يقترب من مئويته. وكان أول سؤال بخصوص الموقف المعارض، إن لم نقل المعادي، الذي يتعرض له، وهو اليهودي الناجي من المحرقة، من قبل المفكرين اليهود الفرنسيين، ومن بينهم ليفي وفينكلكروت، الذي وصف هيسيل، في مجلة «نوفيل أوبسرفاتور»، بأنه من البوبو (أي من شريحة البورجوازيين البوهيميين، التي تمارس النضال كترف). يرد هيسيل بأن هؤلاء يتناسون أنني كنت منخرطا في أشكال النضال المختلفة من سنواتي الأولى. إن هؤلاء يسيئون إلى قضيتهم التي يدافعون عنها، وهي إسرائيل، من حيث يتصورن أنهم ينصرونها (اللقاء مع هيسيل تم في مكتبة مونتروي، وتخلله هجوم على المكتبة من قبل عصابات يهودية، تنادي بالموت للفلسطينيين والحياة لإسرائيل، وتتهم هيسيل بالعمالة للفلسطينيين). «إنهم أوغاد، هؤلاء! لم يدافع عن إسرائيل أحد مثلما فعلت أنا».
يكتب هيسيل: «هل يفيد في شيء إطلاق حماس الصواريخ على سديروت؟ الجواب هو لا، ولكن يمكن تفسير هذا العمل بسخط الغزّاويين. وفي مفهوم السخط يجب تفهم العنف كنتيجة مؤسفة لوضعية غير مقبولة بالنسبة لمن يعانون منها. (...) السخط هو إنكار الأمل. وهو أمر مفهوم، بل أكاد أقول إنه طبيعي».
سألنا هيسيل عن زيارته إلى غزة، ولقاءاته مع القيادات الفلسطينية، هناك (إسماعيل هنية وآخرين). فأجاب: لا يمكن لنا أن نزور غزة من دون الاتصال بمن يُدير المنطقة سياسيا وعسكريا، ولا يضيرنا في شيء الاستماع إليهم، وأؤكد لك أن اللقاء كان إيجابيا، وسمعنا من قادة حماس رغبة في الهدنة وفي السلام. وأنا أنتهز هذه الفرصة لأندد برفض توني بلير، رئيس اللجنة الرباعية، الالتقاء بقادة حماس. وأعتبر تصرفه نوعا من الغباء السياسي.
لا يتصورن أحد أن هيسيل لا يضع في باله إسرائيل حين يتخذ مواقفه، فإذا كان في السابق قد قال إنه من أكثر المدافعين عن إسرائيل فهو صادق. نسأله عن كيفية الخروج من تشابكات وتعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي، فيجيبنا بضرورة «إعمال الذكاء»، مكررا احترام الشرعية الدولية وقراراتها وتوصياتها. وهنا نسأله عن كيفية «إعمال الذكاء» من أجل تنفيذ واحترام القرارات الدولية، وخاصة «قرار عودة اللاجئين». هنا يتردد الرجل العجوز. حق العودة هو مقتل كل الغربيين. ويرد: «ثمة مسؤوليات كثيرة تتعلق بهذا القرار، والمسؤولية الأهم تقع على عاتق الدول التي استضافت هؤلاء الفلسطينيين.. أي الدول العربية.. تستطيع إسرائيل استقبال أعداد منهم، لكن لا يمكنها أن تستقبلهم جميعا، وإلا فلا وجود لدولة إسرائيل، العضو في المجتمع الدولي».
ثمة قواسم مشتركة تجمع بين المفكرين والساسة اليهود خارج إسرائيل (أقلية ضئيلة جدا تنفي فكرة وطن لليهود!)، ولكن ثمة أيضا اختلافات بين تياراتهم، إذ الفرق كبير بين رؤية ليفي وأدلير وفنكلكروت وغيرهم وبين مجموعة أخرى تتعرض، أحيانا للتحريم اليهودي والاتهامات بالخيانة بل والمحاكمات. لقد تدخّل اللوبي الصهيوني القوي في فرنسا لإلغاء ندوة تجمع ليلى شهيد برادة وستيفان هيسيل وريجيس دوبريه حول مقاطعة إسرائيل، وقبلها حوكم المفكر (الفرنسي اليهودي) إدغار موران بسبب مقال ينتصر لعدالة القضية الفلسطينية.
يقلق الصهاينة كثيرا حين يتصدى واحد من أبناء الطائفة اليهودية لجرائم إسرائيل، ويلجأون، أحيانا للعنف. غاظهم نجاح كتيّب ستيفان هيسيل وغاظتهم مواقف موران وآخرون. لعلّ الفلسطينيين يوظّفون هذا المدد في الانتصار لقضيتهم. لعلهم!
الاثنين، 15 أكتوبر 2012
أحمد الصياد لـ «الشرق الأوسط»: «ثقافة السلام» حرّف معناها وشوّهت غاياتها
|
السبت، 13 أكتوبر 2012
Marc Edouard NABE
| رغم محاصرته بسبب معاداته للثقافة الصهيونية | |
| مارك إدوار ناب يصدر كتاباً جديداً ويتنافس على جائزة أدبية | |
2010-10-23
باريس - محمد المزديوي
ليس سراً أن الكاتب الفرنسي مارك إدوار ناب من أهم الكتاب الفرنسيين، حالياً (27 كتاباً في دار النشر الشهيرة غاليمار وغيرها)، رغم سطوة الميديا في فرنسا، وسقوط الثقافة والبرامج الثقافية بين أيدي ثلة من المتصهينين، تحدّث عنهم وعن دسائسهم وصناعتهم لراهن الثقافة الفرنسية، اليوم، الكاتبُ الفرنسي الكبير رونو كامو، في كتابه المثير للجدل «بادية فرنسا»، قبل أن ينهار بسبب الهجوم الصهيوني، ويعتذر لهم، ويؤسس حزباً سياسياً، شغله الشاغل هو محاربة الإسلام والمسلمين، ولكن مارك إدوار ناب، وهو ابن عازف الجاز الشهير مارسيل زانيني(من أصول إيطالية)، كما أنه عازف جيد على القيثار، ويشارك أباه أحياناً، كما أنه من أهم المضطلعين بثقافة الجاز الأميركية، مُحاصَرٌ، بالمعنى الحقيقي للكلمة، إذ بسبب آرائه المعادية للصهيونية، حرم من البرامج الثقافية في التلفزيون الفرنسي (انهال عليه مرة الصحافي بن عمو، وهو صهيوني، بالضرب وأدماه، كما أن البرامج القليلة التي تستدعيه تُحرّف بعض كَلِمِه، وتشوه مراميه)، كما أن الصفحات الثقافية الفرنسية لا تقبل الحرية التي يعبر عنها في كتابته ولا ميوله السياسية، فهو من الفوضويين اليمينيين والمعادين للصهيونية، وحتى دور النشر الفرنسية قاطعته، فقرّر، مُكرهاً، الاتجاه للنشر الذاتي، وأصدر كتابه الجديد، واختار له عنواناً مثيراً، «الرَّجُلُ الذي توقَّفَ (أوقف نفسه)عن الكتابة»، ولأنه قرر مقاطعة القنوات العادية لتجارة وتسليع الكتاب فالكتاب يُطلب من موقع الكاتب مباشرة، مع دفع رسوم البريد: (www.marcedouardnabe.com).
والغريب أن تناول موضوع هذا الكاتب، الموهوب، والذي بدأ الكتابة في وقت مبكر جداً (من مواليد 1958)، وسط إعجاب شديد من الوسط الباريسي للثقافة، في هذا الوقت، دليل على أن الكتابة الأصيلة لا تضيع رغم كل الحصارات وكل التضييق، ولم يكن مفاجئاً أن يورد ملحق صحيفة «لوموند» للكتب، هذا الأسبوع، خبراً عن ورود اسم مارك إدوار ناب في قائمة المتنافسين على جائزة رونودو، ولو أن ثمة عقبات قادمة واختيارات أخرى، يمكن أن تحيط به وتمنح الجائزة لكاتب «مقبول» و «محترم». الدروس المستفادة من عودة الابن الضال للأدب الفرنسي كثيرة، منها أن ثمة من الكتاب الفرنسيين، أعضاء تحكيم الجائزة، من لا يزال موضوعياً ويمتلك حرية إغضاب القطيع أو السائد، ومن بينهم الكاتب «باتريك بيسون». وإذا كان الكثيرون هاجوا لمجرد ورود اسم مارك إدوارد ناب في القائمة غير النهائية، بسبب قدومه من غير الطريق العادي للكِتَاب وتسويقه، أي من دار نشر معلنة «ومحترمة»، فإن الكاتب بيسون ذكّرهم بأن النشر الذاتي، كان معروفاً في الماضي، ويورد بعض أسماء الملتجئين إليه وعلى رأسهم، دوستويفسكي وتولستوي، فلِمَ لَوْم مارك إدوار ناب، وحده؟! لا يُعوّل مارك إدوار ناب، كثيراً على الجائزة، فثمة مطبّات كثيرة في طريقها، ولكن هذه الدعاية المجانية، تساعده على زيادة مبيعات كتابه، ويستطيع «أبله باريس»، وهو عنوان لصحيفة مشاكسة أصدرها قبل سنوات، قبل أن تختفي، أن يفخر بكونه يحصل على %70 من قيمة الكتاب (عادة ما يحصل الكاتب، في الغرب، على %10 من حقوق المؤلف) في حين أن %30 تذهب إلى المطبعة. ولمن يعشق الجاز، فما عليه، حين زيارة باريس، إلا اقتناص السهرات النادرة التي ينجزها الأب العجوز، في مطعم «لوبوتي جورنال»، وبرفقة ابنه الكاتب، عازفاً للقيثار، في انسجام فني رائع. في كل مكابدات الكاتب وأشكال الحصار عليه كان أبوه حاضراً، وبقوة. ويأتي، بعد كل هذا، مَنْ يطالبنا بقتل الأب (رمزياً، نقصد، حسب فرويد!). | |
الكاتب المجري أمري كيرتيز
| في حوار مع الكاتب المجري أمري كيرتيز | |
| لست صهيونياً ولكن فناناً أوروبياً | |
2010-12-25
باريس ـ محمد المزديوي ذهل العديد من المهتمين بشؤون الأدب سنة 2002، من فوز الكاتب المجري أمري كيرتيز بجائزة نوبل للأدب، فقد كان بالفعل مغمورا إلا لدى أقلية صغيرة ولدى أعضاء تحكيم الجائزة. وذهبت الكثير من المواقف المتسرعة إلى درجة الحديث عن صهيونيته، والبحث عن الدوافع الحقيقية عن هذا التوشيح، خصوصا أن ثمة عشرات من الأسماء تنتظر كل سنة تتويجها، والأكيد أنها ستموت من شدة الانتظار. ولكن الكاتب، شأنه شأن الباحث والمفكر الكبير والتر بنيامين، لم يستسغ الفكر الصهيوني ولم يسقط في إغوائه. وقد كشف الأمر في حوار شيق أجرته معه المجلة الأدبية الفرنسية الرصينة "Le Matricule des anges" العدد 118 (نوفمبر/ديسمبر 2010)، نقتطف منه بعض المقاطع: - بالإضافة إلى رفضك كل خطاب عن الضحايا (أي حديث كاتب ما المستمر باعتباره ضحية)، تقوم بلي عنق مبدأ أدورنو Adorno، الذي يقول فيه: إنه لا يمكن لأي كان أن يكتب قصيدة بعد أوشفيتز، وبالتأكيد في كتابك "الهولوكوست كثقافة" (دار أكت سود 2009) على أنه بعد أوشفيتز لم يعد من الممكن أن نكتب قصيدة إلا عن أوشفيتز. - توجد ثلاثة طرق مختلفة لفهم المسألة الأدبية عن أسطورة أوشفيتز. ثمة في المقام الأول الرعب الذي سبق مؤتمر فانسي Wannsee، والشعور المسبق بما سيسفر عنه الأمر. وهنا سأشير إلى اسم كافكا، الذي يقول في مكان ما أتصوره في كتاب "محاورات مع كافكا" لغوستاف جانوش: "ينفتح الكون مثل فم. في هذا الحلقوم الضخم نفقد كل يوم أكثر فأكثر من حرية تحركنا الشخصية. أعتقد أنه قبل قليل يتوجب علينا أن نتوفر على جوازات سفر خاصة كي ننزل إلى ساحاتنا. العالم يتحول إلى غيتو". ثم جاءت تجربة معسكرات الاعتقال باعتبارها تجربة، شهادة المواطن المنذهل، الذي يتساءل في نظر تاريخ الحضارة الأوروبية: كيف كان الأمر ممكنا. هنا أفكر، بطبيعة الحال، في مؤلف كتاب: "لو كان رجلا" لبريمو ليفي Primo Levi. وأخيرا، يتبقى الذين أنتمي إليهم بتواضع، الذين اهتموا بشكل أكبر بما بعد الضربة، بنتائج أوشفيتز، مثل جان آمري وتادوز بوروفسكي. كان بإمكاني مثل آخرين، أن أعاند بشكل دائم في وصف سنواتي التي قضيتها في معسكرات الاعتقال، وأنا في لباس داخلي، فكي أستطيع تقديم شهادة يجب قبل كل شيء الإحاطة الواضحة بالهوية الخاصة، وامتلاك اليقين بأننا التقينا بحقيقتنا. إن فهم ميكانيزمات العمل في المعسكرات، كان بالنسبة لي في نهاية المطاف حركة بسيطة تشبه بساطتها حركة فتح نافذة غرفتي. - إذا كانت يهوديتك قد أتاحت لك أن تعيش التجربة الشاملة لوجود بشري خاضع للتوتاليتارية، فهي مع ذلك مطبوعة بختم السلبية، لماذا؟ - لم أصبح صهيونيا ولا متدينا أو مؤمنا، لكن أصبحت فنانا وأوروبيا. وقد كانت قرارات من الصعب اتخاذها، ولا أزال أجهل اليوم كما في السابق الثقافة والحفلات اليهودية، ومن بين كبار الفلاسفة اليهود لم أقرأ سوى سبينوزا Spinoza. وقد وجهت لي إسرائيل نداءات كثيرة ورفضت دائما الاستجابة لها. لدي تعاطف مع كل يهود العالم والتاريخ، لكن فقط حينما يكونون مطاردين أو في حال الخطر. عدا هذا فإن يهوديتي عبرت عن نفسها في غالب الأحيان باعتبارها تحديدا خارجيا. هل تعرفون المؤرخ البولوني والصحافي والناشط السياسي إسحاق دوتشير Isaac Deutscher؟ فقد ألف كتابا تحت عنوان "اليهودي غير اليهودي"، وفيه عرض لأنماط عديدة من المركبات اليهودية: المركب اليهودي كقومية، وكفوق قومية ثرية ذات نفوذ وكدولية ثورية.. إلخ. لنقل: إني متفق معه، كما أني متفق مع كوستلر Koestler حين يؤكد أن اليهود الذين لم يعودوا إلى إسرائيل ليسوا يهودا حقيقيين. فاليهودي الأرثوذوكسي كي يقول لك وداعا أو إلى لقاء قريب، يقول "إلى بيت المقدس". وإذا كان اليهودي معناه الالتحاق بدولة إسرائيل، فأنا لست يهوديا. لا، لست يهوديا! | |
الاشتراك في:
التعليقات (Atom)







