السبت، 13 أكتوبر 2012

الكاتب المجري أمري كيرتيز

في حوار مع الكاتب المجري أمري كيرتيز
لست صهيونياً ولكن فناناً أوروبياً
2010-12-25 
باريس ـ محمد المزديوي 
ذهل العديد من المهتمين بشؤون الأدب سنة 2002، من فوز الكاتب المجري أمري كيرتيز بجائزة نوبل للأدب، فقد كان بالفعل مغمورا إلا لدى أقلية صغيرة ولدى أعضاء تحكيم الجائزة. وذهبت الكثير من المواقف المتسرعة إلى درجة الحديث عن صهيونيته، والبحث عن الدوافع الحقيقية عن هذا التوشيح، خصوصا أن ثمة عشرات من الأسماء تنتظر كل سنة تتويجها، والأكيد أنها ستموت من شدة الانتظار.
ولكن الكاتب، شأنه شأن الباحث والمفكر الكبير والتر بنيامين، لم يستسغ الفكر الصهيوني ولم يسقط في إغوائه. وقد كشف الأمر في حوار شيق أجرته معه المجلة الأدبية الفرنسية الرصينة "Le Matricule des anges" العدد 118 (نوفمبر/ديسمبر 2010)، نقتطف منه بعض المقاطع:
- بالإضافة إلى رفضك كل خطاب عن الضحايا (أي حديث كاتب ما المستمر باعتباره ضحية)، تقوم بلي عنق مبدأ أدورنو Adorno، الذي يقول فيه: إنه لا يمكن لأي كان أن يكتب قصيدة بعد أوشفيتز، وبالتأكيد في كتابك "الهولوكوست كثقافة" (دار أكت سود 2009) على أنه بعد أوشفيتز لم يعد من الممكن أن نكتب قصيدة إلا عن أوشفيتز.
- توجد ثلاثة طرق مختلفة لفهم المسألة الأدبية عن أسطورة أوشفيتز. ثمة في المقام الأول الرعب الذي سبق مؤتمر فانسي Wannsee، والشعور المسبق بما سيسفر عنه الأمر.
وهنا سأشير إلى اسم كافكا، الذي يقول في مكان ما أتصوره في كتاب "محاورات مع كافكا" لغوستاف جانوش: "ينفتح الكون مثل فم. في هذا الحلقوم الضخم نفقد كل يوم أكثر فأكثر من حرية تحركنا الشخصية. أعتقد أنه قبل قليل يتوجب علينا أن نتوفر على جوازات سفر خاصة كي ننزل إلى ساحاتنا. العالم يتحول إلى غيتو".
ثم جاءت تجربة معسكرات الاعتقال باعتبارها تجربة، شهادة المواطن المنذهل، الذي يتساءل في نظر تاريخ الحضارة الأوروبية: كيف كان الأمر ممكنا. هنا أفكر، بطبيعة الحال، في مؤلف كتاب: "لو كان رجلا" لبريمو ليفي Primo Levi.
وأخيرا، يتبقى الذين أنتمي إليهم بتواضع، الذين اهتموا بشكل أكبر بما بعد الضربة، بنتائج أوشفيتز، مثل جان آمري وتادوز بوروفسكي. كان بإمكاني مثل آخرين، أن أعاند بشكل دائم في وصف سنواتي التي قضيتها في معسكرات الاعتقال، وأنا في لباس داخلي، فكي أستطيع تقديم شهادة يجب قبل كل شيء الإحاطة الواضحة بالهوية الخاصة، وامتلاك اليقين بأننا التقينا بحقيقتنا.
إن فهم ميكانيزمات العمل في المعسكرات، كان بالنسبة لي في نهاية المطاف حركة بسيطة تشبه بساطتها حركة فتح نافذة غرفتي.
- إذا كانت يهوديتك قد أتاحت لك أن تعيش التجربة الشاملة لوجود بشري خاضع للتوتاليتارية، فهي مع ذلك مطبوعة بختم السلبية، لماذا؟
- لم أصبح صهيونيا ولا متدينا أو مؤمنا، لكن أصبحت فنانا وأوروبيا. وقد كانت قرارات من الصعب اتخاذها، ولا أزال أجهل اليوم كما في السابق الثقافة والحفلات اليهودية، ومن بين كبار الفلاسفة اليهود لم أقرأ سوى سبينوزا Spinoza. وقد وجهت لي إسرائيل نداءات كثيرة ورفضت دائما الاستجابة لها. لدي تعاطف مع كل يهود العالم والتاريخ، لكن فقط حينما يكونون مطاردين أو في حال الخطر. عدا هذا فإن يهوديتي عبرت عن نفسها في غالب الأحيان باعتبارها تحديدا خارجيا.
هل تعرفون المؤرخ البولوني والصحافي والناشط السياسي إسحاق دوتشير Isaac Deutscher؟ فقد ألف كتابا تحت عنوان "اليهودي غير اليهودي"، وفيه عرض لأنماط عديدة من المركبات اليهودية: المركب اليهودي كقومية، وكفوق قومية ثرية ذات نفوذ وكدولية ثورية.. إلخ. لنقل: إني متفق معه، كما أني متفق مع كوستلر Koestler حين يؤكد أن اليهود الذين لم يعودوا إلى إسرائيل ليسوا يهودا حقيقيين. فاليهودي الأرثوذوكسي كي يقول لك وداعا أو إلى لقاء قريب، يقول "إلى بيت المقدس". وإذا كان اليهودي معناه الالتحاق بدولة إسرائيل، فأنا لست يهوديا. لا، لست يهوديا!
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق