الاثنين، 15 أكتوبر 2012

أحمد الصياد لـ «الشرق الأوسط»: «ثقافة السلام» حرّف معناها وشوّهت غاياتها


أحمد الصياد لـ «الشرق الأوسط»: «ثقافة السلام» حرّف معناها وشوّهت غاياتها
بمناسبة مرور 60 سنة على تأسيس «اليونسكو»
مساعد مدير عام منظمة «اليونسكو» للعلاقات الخارجية والتعاون: أطلقنا برامج لتشجيع الحوار وفهم الأخر
باريس: محمد المزديوي
منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو» التي احتفلت بالذكرى الستين لتأسيسها والتي قال عنها نهرو ذات يوم إنها «ضمير الإنسانية»، أنشئت على ركام الحرب العالمية الثانية وسط صيحات ملايين البشر «أوقفوا هذه الحرب المدمرة.. لا نريد حربا عالمية ثالثة». وانطلاقا من ذلك رفع الآباء المؤسسون، وهم نخبة من رجالات التربية والثقافة في العالم، عبارة شهيرة وضعت في مطلع ديباجة الميثاق التأسيسي لمنظمة اليونسكو، تقول: «لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام». وهكذا كانت سمات النضج الفكري والسياسي ملازمة لحياة اليونسكو منذ تأسيسها، ويمكن أن نرى ذلك بصورة أكثر وضوحا من خلال الأهداف الكبرى التي وضعها هؤلاء المفكرون والتي لا تزال تحتفظ بأهميتها وضرورتها اليوم أكثر من أي يوم مضى. بمناسبة مرورو 60 سنة على تأسيس اليونسكو إضافة إلى انعقاد الدورة الـ34 للمؤتمر العام لليونسكو في أكتوبر القادم، التقت «الشرق الأوسط» بالدكتور أحمد الصياد، مساعد مدير عام المنظمة للعلاقات الخارجية والتعاون، فكان هذا الحوار الشامل:
* هل لك أن تحدثنا عن أهم انجازات اليونسكو وطبيعة القضايا التي سيناقشها وزراء التربية والثقافة أثناء انعقاد المؤتمر العام، للمنظمة في أكتوبر القادم.
ـ أنشئت اليونسكو أعقاب الحرب العالمية الثانية، وحددت المادة الأولى من الميثاق التأسيسي المهام الكبرى للمنظمة والتي تكمن في المساهمة في «صون السلم والأمن»، عن طريق التربية والعلم والثقافة، وكذلك توثيق عرى التعاون والدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة دون تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين. هذه المثل وضعت قبل ستين عاما، وجسدت أمال ملايين الرجال والنساء، وتبقى اليوم صالحة لمواجهة التحديات الجديدة على مختلف الصعد الأمر الذي يحتم على اليونسكو أن تدخل مرحلة ما بعد الستين عاما حاملة معها مبادئ الأمس لمواجهة تحديات المستقبل.
أنقذت اليونسكو خلال مسيرتها 830 موقعا للتراث الثقافي والطبيعي منها حوالي 50 موقعا في العالم العربي، وجملة هذه المعالم مسجلة في قائمة التراث العالمي وبعضها للأسف في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر. كما أقرت اليونسكو عددا من الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتنوع الثقافي واللغوي واتفاقيات أخرى خاصة بالحد من الاتجار غير المشروع بالقطع الأثرية. واستطاعت اليونسكو أن تعيد عددا من القطع إلى بلدانها الأصلية كان آخرها مسلة تعود إلى مرحلة حضارة "اكسوم" في أثيوبيا بعد استعادتها من ايطاليا، وكذلك استعادة عدد من القطع المسروقة من العراق. وما زلنا نواصل الجهود بالنسبة لآثار العراق بالتعاون مع الإنتربول ودول الجوار. وهناك اتفاقيات للمحافظة على التراث الشفهي والآثار المغمورة بالمياه، باعتبارها تمثل ذاكرة الشعوب. في المجال التربوي ساعدت المنظمة الكثير من الدول في القضاء على الأمية وإعادة النظر في المناهج التي تقلل من دور الآخر سواء كان رجلا أو امرأة، طفلا أو كهلا.
التربية والعلم والثقافة والاتصال، هي أهم القضايا التي سيناقشها المؤتمر العام في دورته القادمة، ولنا أمل أن تعي الدول الأعضاء انه لا تنمية حقيقية بدون علم وتربية سليمة. وهذا يعني أن على الدول ان تضاعف الاعتمادات المخصصة للتربية مقابل تخفيضها في القطاعات غير المنتجة وخاصة التسلح.
* ماذا عن الهموم الجديدة في مطلع هذا القرن الجديد بالنسبة لليونسكو؟
ـ مهامنا متعددة، منها، إعطاء وجه إنساني للعولمة. فالجميع متفق على أن وجه العولمة اليوم يتسم بالقبح والهيمنة. ولهذا تعقد المؤتمرات لتحديد مسار العالم الجديد، وتعقد بجانبها المؤتمرات المضادة. وهنا يكمن دور اليونسكو، باعتبارها قامت على أساس التضامن الفكري بين البشر، وبالتالي على المنظمة أن تتمسك بتلك المبادئ لإعطاء بعد إنساني للعولمة، لكي لا يتجه العالم إلى فوضى عالمية، وذلك من خلال الإسهام الفعال في مكافحة الفقر، وتشجيع الحوار وفهم الآخر مع المحافظة على التنوع الثقافي والتعدد اللغوي والتأكيد على التعليم من اجل تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان وإقامة الحكم الرشيد.
* عملياً كيف يمكن حل هذه المشكلات؟
ـ قدرت المحافل الدولية تكاليف إزالة الفقر إذا ما توفرت النوايا الحسنة بنسبة لا تتجاوز 1 في المائة من إجمالي الدخل القومي العالمي وهي نسبة ضئيلة جدا يمكن توفيرها دون عناء لمواجهة هذا الوضع الخطير. المعطيات تشير اليوم إلى أن العهود التي قطعتها دول العالم على نفسها للحد من الفقر في العالم بحلول 2015 لن تتحق، غير أن هذه الصورة القاتمة لا يجب أن تؤدى إلى اليأس وعلينا جميعا أن نستمر في المطالبة بوضع برامج عملية ورصد الأموال الكافية لمكافحة الفقر.
وقد أطلقت اليونسكو مؤخرا عددا من البرامج لتشجيع الحوار وفهم الآخر، ومن بينها برنامج ثقافة السلام، ودعت إلى حوار الأديان والحضارات، وكذلك أنشطة أخرى خاصة بطرق الإيمان، وطرق الأندلس، وطريق الحرير، وجملة هذه الأنشطة تهدف إلى معرفة الآخر وغرس فكرة التعايش والحوار. غير أن البعض حرف ثقافة السلام التي كان لي شرف طرحها وتبنيها في المجلس التنفيذي لليونسكو عام 1992. فقد ظنوا انها تهدف إلى التطبيع بين جماعات لا يوجد ما يمكن أن تطبع حوله غير أن ثقافة السلام التي أردناها هي مجموعة قناعات وقيم مشتركة تركز على احترام حقوق الإنسان، تروج للتفاهم المتبادل بين الشعوب واحترام الديمقراطية والكرامة والمساواة. هذه هي أسس ثقافة السلام التي يجب أن تحل محل ثقافة العنف.
أما بالنسبة للتعدد اللغوي فهو حجر الزاوية للتنوع الثقافي. ووضع اللغات في العالم خطر. فإذا كانت اللغات تقدر اليوم بـ 6000 لغة فإن عشر لغات منها تموت كل عام. صحيح أن موت اللغات ليس ظاهرة جديدة، ولكن هذا الموت لا يجب أن يكون قدراً محتماً، والإنقاذ ممكن ومتيسر وهنا تكمن إحدى مهام اليونسكو خلال السنوات القادمة. من جهة أخرى، تناقصت الموارد المائية خلال السنوات الأخيرة بشكل مخيف حيث يتوقع الخبراء أن ينخفض ما يتوفر من المياه للشخص الواحد على المستوى العالمي إلى الثلث كما تراجعت جودة المياه بشكل ملحوظ. إذ يموت كل يوم حوالي 6000 شخص اغلبهم من الأطفال بسبب أمراض الإسهال وتعدد الكوارث الطبيعية المتعلقة بالمياه والتغيرات المناخية. كما أن دراسات المستقبل تشير بشكل لا لبس فيه ولاغموض أن النزاعات المتعلقة بالمياه ستكون هي الأكثر بروزاً خلال القرن الحادي والعشرين.
* يلاحظ مؤخرا أن اليونسكو وخاصة قطاع العلاقات الخارجية والتعاون الذي تتولون إدارته يتجه نحو البرلمانيين ومؤسسات المجتمع المدني لجعلها شريكا فاعلا، هل هذه سياسة جديدة للمنظمة؟
ـ اليونسكو منظمة أسستها الحكومات لمواجهة آثار الحرب العالمية الثانية عن طريق التربية والعلم والثقافة. وخلال أكثر من خمسة عقود كانت الحكومات تعتبر أنها قادرة على عمل كل شيء، وتنظر إلى مؤسسات المجتمع المدني بمنظار الريبة والشك. بل إن بعض حكومات دول الجنوب تعتبر عمل المنظمات غير الحكومية هو عمل جواسيس تسيرهم قوى خارجية معادية. وعندما كنا نحاول إقناع بعض الحكومات بأهمية مؤسسات المجتمع المدني كنا كمن يحرث في البحر. ولكن تلك النظرة الخاطئة أفلست وأدرك الجميع ان الحكومة لا يمكن أن تعمل كل شيء. عملنا في اليونسكو من أجل هذه السياسة منذ عدة سنوات رغم الاعتراضات والعراقيل وقد أصبحت اليوم سياسة ثابتة. فاليونسكو تعمل اليوم مع أكثر من 350 منظمة غير حكومية وأسسنا أكثر من ثلاثة آلاف ناد لليونسكو في مختلف دول العالم. أما العلاقات مع البرلمانيين فهي حديثة وأنا سعيد أنها بدأت تأتي بثمارها. دور البرلمانات محوري، فالمصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تتم هناك، كما أن ميزانية أي دولة متحضرة لا بد أن تمر عن طريق البرلمان، ونحن نعمل مع البرلمانيين لكي يدافعوا عن ميزانية القطاعات الأساسية مثل التربية والعلم والثقافة مقابل تخفيضها في القطاعات غير المنتجة. لقد نظمنا عددا من اللقاءات مع البرلمانيين في المنطقة العربية. وهذه السياسة التي انتهجتها اليونسكو أصبحت الآن هما مشتركا لسائر منظمات الأمم المتحدة، فقد كلف الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان رئيس البرازيل السابق كردوزو لعمل تقرير دولي عن دور مؤسسات المجتمع المدني في عمل الأمم المتحدة بشكل عام وأكد التقرير على هذا الدور وعلى ضرورة مشاركة المجتمع المدني في كل الأنشطة والبرامج. وبالتالي فان سياسة اليونسكو في هذا المجال ثابتة ولا تراجع عنها.
> احتفل مؤخرا في أكثر من عاصمة عربية بصدور مائة عدد من «كتاب في جريدة»، بما أنك من أوائل من تحمس لهذا المشروع في اليونسكو هل يمكن أن تحدثنا عن هذه التجربة وآفاق استمرارها؟
ـ تحمست لهذا المشروع وما زلت في ذروة الحماس. فقد انطلق مشروع كتاب في جريدة بهدف تنشيط الحراك الثقافي وتنويع محاولات حفز النمو، للتغلب على ضيق قاعدة القراءة وقلة انتشار الكتاب وبخاصة بين الشباب والطلاب ومحدودي الدخل، بهدف فتح أبواب الاطلاع والاغتناء الثقافي، وزرع عادة التعامل مع روائع الإبداع. وقد تميز مشروع «كتاب في جريدة» بجمعه الخلاق بين الوعي الثقافي من خلال فتح الأبواب على ما في التراث الأدبي العربي من روائع، مثل شعر المتبني أو نثر الكاتب الموسوعي أبو حيان التوحيدي، والتعلق بأعمال أدبية حديثة تعمق الوعي الإبداعي وتغنيه، من بدر شاكر السياب إلى البردوني وأمل دنقل والطيب صالح على سبيل المثال، إلى توسيع دائرة الاطلاع والتبادل الثقافي لتشمل مناطق المحيط العربي الأبعد عن المركز الثقافي العربي، بنشر أعمال لكتاب مثل قاسم حداد وزيد مطيع دماج وقصص من الخليج. وأردنا نفض الغبار المتراكم فوق إبداعات كتاب ملأوا زمنهم القريب بالجدل والصراخ الداعي الى التجديد، أمثال زكي مبارك، وإعادتهم إلى دائرة القراءة والتأمل، والتفاعل مع الآداب العالمية بما يغني الخيال الإبداعي العربي بتجارب شعراء وكتاب من أمثال قيصر باييخو. إنها دون شك تجربة خصبة على الرغم من قصر مدتها، فإنها بانجازاتها ودلالتها الرمزية وبما تثير في الوعي العربي من قيم حضارية وإبداعية تشيعها الأعمال التي تنشرها.
أعرف أن هناك بعض الكتاب العرب الذين لم ينشر لهم بعد في كتاب في جريدة، غير راضين، لكني أقول للجميع إن استمرار هذه التجربة كفيل بنشر كل عمل إبداعي قديم وحديث للرجال كما للنساء. إن توسيع دائرة المتفاعلين من قراء ومبدعين هو ما يحاول «كتاب في جريدة» أن يصل إليه. لقد تغنينا بالوحدة السياسية طيلة العقود الماضية وخرجنا بفشل مخيف على المستوى القطري والقومي ومادام التوحيد السياسي قد أخفق فلم يعد أمامنا إلا توحيد العرب حول الإبداع العربي على الأقل وهذا أهم هدف كتاب في جريدة.
> دعنا نتناول في الأخير الجانب الذاتي، فقد كتبت عن الوضع الدولي ونشرت عن «دار الفارابي» في بيروت كتابا عن اليونسكو رؤية للقرن الحادي والعشرين. كما كتبت عن اليمن كان آخرها كتاب «آخر القرامطة» عن «المؤسسة العربية للدراسات». ما هي المشروعات الجديدة اليوم؟
ـ كغيري أحلم بإنجاز الكثير في المجال الثقافي لقناعتي بأن هذا العمل هو الذي يبقى. غير أن هناك فرقا شاسعا بين الحلم والواقع. فواقع العمل البيروقراطي الدولي يقضي على كل حلم. فعملي في منظمة اليونسكو لم يعد يترك لي أي وقت. ولذلك فالكثير من المشروعات كتابتها مؤجلة. «آخر القرامطة»، وبحكم أحداث يمنية معينة شدتني إليها، فرض نفسه علي وكان لا بد لي من كتابته على الرغم من عملي اليومي ورحلاتي الكثيرة.
«آخر القرامطة» يجسد أحلام العقود الأربعة الأخيرة من القرن العشرين بمفارقاتها وشطحاتها السياسية والآيديولوجية. وهو وان كان قد جعل من عدد من الشخصيات السياسية اليمنية التي أسهمت في تاريخ اليمن الحديث، محوراً للحوار في ما بينهم لإعادة قراءة التجربة السياسية والمواقف الفكرية، فان تلك القضايا التي تم الحوار حولها يمكن أن تنطبق على أي دولة عربية. فالحركات القومية واليسارية والليبرالية والدينية موجودة هنا وهناك بإخفاقاتها وانجازاتها. وقد كان «آخر القرامطة» ذلك الرمز الذي مكنته تجربته وثقافته من جعل ذلك الحوار ممكنا حتى وان كان في الآخرة، لأن الحياة الدنيا ضاقت بقيم الوحدة والحرية والديمقراطية والحوار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق