السبت، 2 نوفمبر 2013

باتريك موديانو: مقهى الشباب الضائع

توابل / مقهى الشباب الضائع

مقهى الشباب الضائع


الخميس 03 ديسمبر 2009
يتميز باتريك موديانو عن الروائيين الفرنسيين، بعلاقته الوطيدة مع باريس إذ يتخذ من فضاءاتها مسرحاً لأعماله. رواية «مقهى الشباب الضائع»، الصادرة عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، نموذج لهذه العلاقة بينه وبين المكان، وهنا يختط للماضي صوراً عبر شخصيات متنوعة وحكايات تنضح بالشجن الإنساني. وانطلاقاً من مقهى «كوندي» ينسج الكاتب رؤية تكونها التفاصيل والمشاهد المتقاطعة عبر...

يتميز باتريك موديانو عن الروائيين الفرنسيين، بعلاقته الوطيدة مع باريس إذ يتخذ من فضاءاتها مسرحاً لأعماله. رواية «مقهى الشباب الضائع»، الصادرة عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، نموذج لهذه العلاقة بينه وبين المكان، وهنا يختط للماضي صوراً عبر شخصيات متنوعة وحكايات تنضح بالشجن الإنساني. وانطلاقاً من مقهى «كوندي» ينسج الكاتب رؤية تكونها التفاصيل والمشاهد المتقاطعة عبر ذلك المقهى، بسرد الذكريات وتقاطعاتها، في محاولة من بعض الشخصيات لفهم معنى «العود الأبدي». كذلك تجعل الرواية (ترجمة محمد المزديوي) من استبطان حب اللحظات الهنية، الحيوية، وسيلة لمقاومة المحو الذي يبذره الزمان في الذكريات والأماكن والعواطف.

الجمعة، 1 نوفمبر 2013

الأوباش في فرنسا ونيكولا ساركوزي!

من هم الاوباش؟ وهل لهم وجود الان؟ الأثاث الغسالات
5 النقاط عدد الإجابات: 2 عدد الزيارات: 1286
0
بدون اسم 
22‏/09‏/2010 3:29:29 صالإبلاغ عن إساءة الاستخدام
من هم الاوباش؟ وهل لهم وجود الان؟
الإجاباتالتصنيف بحسب الوقت التصنيف بحسب التصويت
-1
من هم «الأوباش»؟ وماذا بقي لهم من هويتهم العربية؟

جيل الهجرة الثالثُ في فرنسا يريد مُوَاطَنَة حقيقية


باريس: محمد المزديوي
لم تكن الكلمات التي تفوّه بها وزير الداخلية نيكولا ساركوزي المعروف بتسرعه وكلماته الطائشة، هي التي أعطت الشرارة لأعمال العنف والشغب التي اجتاحت فرنسا كلها، ولا كافية لتفسير الحالة الحقيقية التي يعيش عليها أبناء الهجرة الثانية والثالثة. إن كلمات من قبيل «الأوباش» و«الأوغاد» أو «الحثالة» كلمات قاسية في حق مواطنين فرنسيين، أو ممن يُعتَرَف لهم بالمواطنة، ولو أن المعاملة التي يلقونها هي من الدرجة الثانية أو الثالثة، ولكن الحالة المأساوية هي وليدة سياسات فرنسية متعددة للاستيعاب والإدماج منذ أكثر من ثلاثين سنة. فمن هم هؤلاء الغاضبون؟ وماذا بقي لهم من أصولهم العربية؟ وهل المشاعر الدينية هي جزء من حساباتهم؟
اتبعت فرنسا منذ البدء، سياسات قائمة على التجريبية التي لا تراعي اهتماما بثقافة الآخر، ولا باختلافاته التي لا يمكن لعصا الجمهورية السحرية أن تُوجد حلا نهائيا لها.

إنّ المرحلة التي كانت تلتجئ فيها السلطات الفرنسية إلى الآباء والحُكماء للتحكم في أبنائهم ولّتْ. لقد شبّوا عن الطوق، بالفعل، وانهارت القيم البدوية والأسرية التي كانت رابطا وضأمنا للهدوء والخضوع والتراتبية.

ولكن المُلاحِظ لِما يحدث الآن يجب ألا يقع في مطب إطلاق الاتهامات جزافا على هؤلاء الفاعلين للأحداث. لقد سارعت التصريحات السياسة اليمينية والعنصرية إلى الزج بالإسلام والتطرف الديني إلى الواجهة، بل وصل الأمر إلى درجة التصريح بوُجود قيادة مشتركة تنسق الحوادث والاضطرابات على الصعيد الفرنسي بل والأوروبي. وهو ما جعل أحد قياديي الجبهة الوطنية اليمينية يتحدث عن «قيادة مشتركة للانتفاضة».

لقد اندلعت شرارة الأحداث من منطقة فقيرة في الضاحية الباريسية تحمل رقم «93»، وتقطنها جاليات مغاربية وكذلك مجموعات سكانية من أفريقيا السوداء، بالإضافة إلى فرنسيين مسحوقين وبرتغاليين وأتراك. وهي منطقة معروفة بالتوتر الدائم بين سكانها الفقراء وشرطة استفزازية وعنصرية، كثيرا ما ولدت انتفاضات كان يتم إيجاد حلول أمنية قمعية لها من دون التفكير، بجدية، في حلول جذرية.

لقد أصبحت فرنسا تُعايش الآن الجيل الثالث من المهاجرين. انتهى زمن الآباء الأوائل الذين قدموا تعبهم وأوهامهم التي كانت تنحصر في أمل الاشتغال لسنين قليلة ثم العودة إلى مسقط رؤوسهم. ثم وجدوا أنفسهم غارقين في أوضاع لم يكونوا يريدونها، وأصبحت مسألة العودة إلى الوطن تلاقي صعوبات أكثر فأكثر. وللتخلص من الأوضاع الصعبة التي كانوا يعيشونها قرروا، في نهاية الأمر، إحضار عائلاتهم، إن أبناءهم هم منْ أُطلق عليهم مصطلح الجيل الثاني، أو «LES BEURS». وقد عانى أبناء الجيل الثاني من صعوبات لا حصر لها، إذ انهم قاسوا من أمية آبائهم ومن عدم اعتراف الفرنسيين بفرنسيتهم الكاملة. لقد اشتغل الباحث الجزائري الراحل أحمد صياد كثيرا على موضوع المهاجرين، وكرس حياته كلها للبحث في معاناتهم التي لا يستهان بها والتضحيات التي قدموها والتي لم يعترف بها أحد. ويعتبر كتابه «الغياب المزدوج» DOUBLE ABSENCE من أفضل ما كتب عن هؤلاء الضائعين بين عَرَب (المغرب العربي) لا يعترفون بهم وفرنسيين لا يرون فيهم مواطنين بمعنى الكلمة. ومات هذا الباحث في صمت كبير لم تكسره سوى نداءات عالم اجتماع فرنسي آخر «بيير بورديو»، لأبناء الهجرة، بوجوب قراءة الباحث الراحل واستعادة نُصوصه، خصوصا أنها دراسات لم تفقد جديتها وجدواها.

إن مظهر الفوارق الضخمة ما بين باريس الباذخة والضواحي التعيسة، وخصوصا الضاحية القريبة التي انطلق منها التمرد، المعروفة بـ «93»، هي ما أطلق الشرارة الأولى.

الخلفية الثقافية للأحداث

مسألة الهوية لم تعُد ملحة كما في السابق، إذْ ان أبناء الجيل الثالث (وهم من بين الفاعلين، وليسوا وحدهم، إذ يوجد فرنسيون وبرتغاليون وسود أيضا، وهم كُثُرٌ) بذلوا مجهودا كبيرا للاندماج في المجتمع الفرنسي، بل وصل بهم الأمر أحيانا، إلى تقديم تضحيات مهينة وجبارة في التأقلم (بل وفي قتل الأب بالمفهوم النفسي الفرويدي، أي في التمرد على سلطة الأب المحافظ والرجعي)، وأيضا إلى درجة أن العديد منهم اختاروا لأنفسهم أسماء فرنسية. ولكن البشرة والملامح، تفضحُ في المحصلة النهائية.

انتماؤهم

لم يعبر أبناء الجيل الثاني ولا الثالث، والجيل الثالث هو الذي يعنينا هنا بشكل قوي، عن شعورهم الديني (الإسلام هنا) إلا في شكل ضعيف، واتخذ صبغات فولكلورية احتفالية في غالب الأحيان (رمضان). إذن فإن مسألة التدين ضعيفة، والانتماء يظل ثقافيا بحتا، وتكاد نسب ارتياد دور العبادة تتعادل مع الفرنسيين المسيحيين. الدينُ يصبح مسألة ملحة وراهنة كلما كانت الدولة الفرنسية مدعوة، باسم ماضيها الكولونيالي، وانسجاما مع إحساس الشعور بالعظمة، إلى اتخاذ موقف سياسي أو عسكري يمكنه أن يصدم الأقلية العربية الإسلامية (حروب فلسطين والعراق...). في هذه الأثناء تُطرَحُ من جديد مسألة هذه الأقليات العربية الإسلامية ومسألة الولاء. إنّ الثقة في وَلاَء العربي أو ذي الأصول العربية للدولة الفرنسية أو ما يسمى بالجمهورية، ما يزال موضوعا خاضعا للنقاش والمزايدة. ولعل أبلغ مثال على هذا يمكن استشفافُهُ في موضوع الجنود الفرنسيين من أصول عربية وإسلامية. ففي ملف هام نشرته جريدة »لوموند« الفرنسية الشهر الماضي مكرّس لوضعية الجنود الفرنسيين من جذور عربية وإسلامية، يكتشف القارئ وضعية عنصرية واحتقاراً شديدا، يتعرض له هؤلاء الفرنسيون العرب. إذ أنهم عرضة دائمةٌ لمعاملة دونية، كما أن أداء طقوسهم الدينية ـ من صلاة وصوم ـ ورفضهم تناول لحم الخنزير وشرب المشروبات الروحية، يجعلهم في وضعية يرثى لها.

ماذا بقي من كل هذه الأشياء، بالفعل؟

في الحقيقة لم يَبق للأصول العربية لهؤلاء المولودين في فرنسا من شيء. إننا نقصد أن لا شيء يمكنه أن يهدد الجمهورية الفرنسية. الذين تربوا ودرسوا في مدارس الجمهورية ونهلوا من تراث العلمانية، لم يعد لهم من التصاق صاخب وغير عقلاني بالأصول العربية، إلا فيما تبقى من أسمائهم وعائلاتهم. لقد أصبح رهان الاندماج في الجمهورية التي تلغي في رحمها كل التناقضات، وتصنع الإنسان الفرنسي الجديد، مسألة أمن بها بالفعل أبناء الهجرة. وقاموا بمجهودات كبيرة لتحقيقها. ولكن الدولة والمكونات الأخرى للهوية الفرنسية لم تكن في مستوى تضحيات المهاجرين وأبنائهم.

ولكن هذا الانتماء إلى الجمهورية الفرنسية والولاء لقيمها المثالية، التي ظلتْ وهما طيلة الزمن ـ إذ أن الدولة الفرنسية انتهكتها في مرحلة الاستعمارات الكبرى ولا تزال كلما زعمت أنها مهددة ـ لم يمنع، ولا يمكنه أن يمنع هؤلاء المتحدرين من أجداد وآباء عرب من تقاسم مشاعر الإحساس بالإهانة والهوان، كلما هُوجِمَ بلد عربي (كما كان شأن الشعب الفلسطيني). وهو موقف لا يتعارض مع قوانين الجمهورية الفرنسية إذْ ان اليهود الفرنسيين لا يخفون دعمهم لدولة إسرائيل علانية.

التضحيات الجليلة التي قام بها أبناء الجيل الثالث، لا تلقى الاعتراف والمكافأة الجديرة بها. لقد بحث وزير الداخلية ساركوزي عن حل لها فأخطأ. لقد تصور المسألة دينية فأخطأ. لقد ساهم في تشجيع المسلمين (بل فرض عليهم الأمر فرضا) لإيجاد تمثيل ديني لهم كي يكونوا «حاضرين على مائدة الجمهورية» كما قال. قام ساركوزي بالأمر لغرض انتخابي بحت، وهو غرض قصد منه مغازلة الناخب الإسلامي، وذهب به الأمر إلى حد المطالبة بتغيير قانون 1905 المنظم للعلاقات ما بين الدولة والأديان. ولكنه لم يكن يعرف بأن المساجد أو التمثيليات الدينية الإسلامية لا تعني هؤلاء الشباب الذين يريدون الشغل والاعتراف بهم كفرنسيين لا يخهاتف عن باقي الفرنسيين. وها هو يكتشف بأن الإسلام السياسي الفرنسي لا يمثل شيئا، وبأن الفتاوى التي يصدرها مسجد باريس لا تنفع في شيء.

منذ سنوات قليلة ماضية أصدر الروائي الفرنسي الكبير «رونو كامي» كتاب «بادية فرنسا». تحدث فيه عن الأسباب الداعية للتمرد والفوضى في فرنسا والتي عدد من بينها: سيطرة دوائر صهيونية كبرى بشكل كامل على الإعلام والصحافة في فرنسا بكل تلويناته (سياسي وثقافي وغيرهما).

تهميش سياسي قاتل

لم يجانب «كامي»، الذي تعرض لحملة أنزلتْهُ من أعلى عليين الأدب إلى الدرك الأسفل، الحقيقة. فالعربُ من أبناء الجيل الثالث، بعيدون عن الإعلام ولا يفعلون فيه، بل ويتعرضون لسهامه وسمومه. لا تتوقف وسائل الإعلام الفرنسية عن الحديث عن قوافل الانتحاريين الفرنسيين من أصول عربية على أبواب بغداد والفلوجة. أما عن الجانب السياسي وانخراط الجيل الثالث فيه، فما زالت النتيجة صفرا أو قريبة منه. فمنذ ثلاثين سنة لم يتولّ مقاعد الوزارات من العرب إلا عدد لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة. والأدهى من كل هذا أن معظمهم يخفون جذورهم وينسون أبناء جلدتهم بمجرد تحمل المسؤوليات. في هذه الأوقات الصعبة تجرأ وزير فرنسي من أصول جزائرية، وهو عالم الاجتماع «عزوز بكاك» على انتقاد تصريحات زميله ساركوزي العنصرية المهينة للعرب والمسلمين، فما كان من هذا الأخير إلا أن اتهمه بأنه يشتغل ضد التضأمن الحكومي.

الحضور الرياضي الفذ

يبقى الحضور فقط موجودا في الشق الرياضي من خلال أبطال ونجوم، منهم زيدان اليزيد (زين الدين)، ولكن المنطق يرى بأنهم «إذا انتصروا وأحضروا ميداليات فهم فرنسيون، وإذا خسروا فهُمْ عرب، مجرد عرب».

إن مظاهر الحرائق المشتعلة في كل مكان من فرنسا تدل على «احتضار تاريخ فرنسي يعود إلى قرن كامل، واحتضار مغامرة موغلة في الحُلُم المثالي، وطموحة وذات خيلاء وكريمة، كانت تطمح إلى أن تجعل من كل المهاجرين القادمين من كل البلدان والمتحدرين من كل الشعوب، والذين صنعَتْهُم كل الديانات وكل الثقافات، مواطنين فرنسيين أصيلين».

كانت الجمهورية الفرنسية تريد أن تبرهن للعالم أجمع، كما يقول الصحافي «ألان ديهاميل» على أنها قادرة، بفضل علمانيتها ومَدْرَسَتها وماضيها وقِيَمِها الكونية، وبالطابع الإرادوي للدولة فيها، على قلبٍ وتغييرٍ جذري لكل أجنبيٍّ قادمٍ من أية قارة، وأيا كان ماضيه ولون بشرته ومعتقداته الدينية، إلى إنسان «غالي» ذي شارب، ووطني وكثير الصراخ. هذا ما كان يُشار إليه بتعبير الاستثناء الفرنسي.

هل يدل ما يقع اليوم، على إفلاس النموذج الفرنسي، في الإدماج والذي يختلف عن نظيره في دول أخرى كالولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وهولندا وكندا؟

لقد اختارت هذه الدول طريقا مختلفة لتعددية الثقافات والأقليات. هذه الدول تشجع المهاجرين على الحفاظ على ثقافاتهم ولغاتهم وذاكراتهم وعاداتهم وتقاليدهم الأصلية. وتمنحهم هامشا من استقلال ذاتي ومن تنظيم ذاتي. بل إن هذه الدول تسهل بقاء الاختلافات.

إن من يقوم بعمليات التكسير والحرق تتراوح أعمارهم ما بين 10 و25 سنة. والأغلبية الساحقة من بينهم ولدوا على التراب الفرنسي، ويحملون جنسية فرنسية، والأهداف التي يقومون بتكسيرها وإحراقها هي رموز للمجتمع: الشرطة، المدرسة، رياض الأطفال، مراكز الترفيه الجماعية، سيارات الجيران، حوانيت الحي. إنهم يظهرون جامّ غضبهم ضد مجتمع يرونه ظالماً وتمييزيا، يحسون بأنهم مرفوضون من المجتمع وهو ما يدفعهم هم أيضا لرفضه.

النموذج الفرنسي المنهك

الحصيلة النهائية لحالة هذا الغضب الذي لا يوجد له مخرج سياسي أو اجتماعي، يدل على إنهاك النموذج الفرنسي لسياسة الإدماج. إن سياسة التمييز التي يتعرض لها أبناء الهجرة (السكن، التعليم، العمل) تضاعفت بسبب الأزمة المجتمعية التي تتجذر منذ ثلاثين سنة. وردود الفعل العنيفة للمراهقين وللشباب الراشدين الذين يرفضون كل معيار اجتماعي ويعيشون في حالة جمود تزيد الأوضاع مأساوية. وحين تتوقف الكوكتيلات الحارقة، ستظل حالة من ريبة وحذر متزايد ما بين سكان «الأحياء» والآخرين. والنتيجة النهائية هي أن إعادة بناء سياسة الإدماج على الطريقة الفرنسية ستشبه، إلى الأبد، مصير «سيزيف».

كل الطبقة السياسية الفرنسية، من يمين ويسار، جربت وفشلت في استيعاب وتفهم جزء من شعبها. نتحدث عن هذا الجزء من الشعب الفرنسي، لأنهم لا يرون أنفسهم غير ذلك. «نحن فرنسيون ومخهاتف، وأين العيب والخلل في هذا؟»، هكذا يرددون على الفرنسيين العنصريين. فهم شبيبة لا تختلف عن الشبيبات الفرنسية الأخرى، إلا في نسبة البطالة التي تفوق 43 في المائة بين أوساطها. فرنسا دولة عظمى وغنية، والمطلب الوحيد والمركزي لهؤلاء الفرنسيين المتحدرين من آباء شيدوا ميترو الأنفاق في فرنسا وكنسوا شوارعها في صمت أسطوري، هو السماح لهم بمشاركة الفرنسيين الآخرين بناء الاتحاد الأوروبي وتقاسم الثروة. لا أقل ولا أكثر من مُواطَنَة حقيقية تستوعب كل الاختلافات.

السبت، 7 سبتمبر 2013

ألان روب غرييه في العدد الجديد من مجلة الإمارات الثقافية

الإمارات الثقافية 17: حوارات مع مبارك، الريماوي ومخلوف وألان روب غرييه

Send to friend
صدر العدد السابع عشر من  مجلة الإمارات الثقافية
 الصادر في أبوظبي عن مركز سلطان بن زايد للثقافة والإعلام.
    خُصص ملف العدد للكاتب الإماراتيإبراهيم مباركحيث تناول الدكتور سليمان نبيل"العالم القصصي لإبراهيم مبارك في مقال "الجدوروالسمات".وكتبت سمر روحي الفيصل مقال "عصفور الثلج:بداية إبراهيم مبارك الثانية،أما صالح هويدي فقدم مقالا بعنوان"إبراهيم مبارك :رائد لا يتنكر للحداثة". يوسف حطيني "إبراهيم مبارك وأحلام البحر"،وفاتن حمودي :"إبراهيم مبارك وسر طائر الليل"،وحوار لدارين قصير مع الكاتب إبراهيم مبارك،و"الصحراء في قصص إبراهيم مبارك" لسامح كعوش.
   في باب الفكر  تناول العدد مجموعة من القضايا التي خصص لها الدكتور رياض نعسان أغا مقالا عن " التبادل المعرفي بين الشرق والغرب،إضافة إلى موضوع "البحث العلمي في الحضارة العربية الإسلامية" للدكتور مصطفى يعقوب،و "العولمة وحديث الحوارات" لصبحة بغورة،و"عشرون عاما على رحيل زكي محمود" لرضا عطية،و"فلسفة الحوار" أحمد برقاوي،و "أساس تشكيل المجتمع في فكر جان جاك روسو" لرشيد الخديمي. 
 في باب التشكيل "فنان العدد جيرارد ستريشر" لفواز ناظم،و"خلود الجابري:الوقوع في غرام الفن" لمحمود شاهين،وآرت اللوا:الفنون المعاصرة بين عشوائيات القاهرة لياسر سلطان.
   في باب الأدب والنقد،دراسات نقدية لكل من إبراهيم أحمد ملحم " الاغتراب في شعر ظبية خميس"،"ولعبد الغني فوزي "أجراس الحروف لسيف المري"،وللحبيب الدايم ربي "عبد الله خليفة: مجموعة سهرة".
حوار   مع الكاتب الفلسطيني محمود الريماوي أجرت الحوارسناء بلحور.
    في باب الإبداع القصصي والشعري  قصص قصيرة جدا لعبد الله المتقي
"في الحرب لنا ناقة ولنا جمل " لرنا سفكوني/ "سأكون ساحرا" قصة قصيرة لفتحية النمر/"شجرة البامبو " لإكرام عبدي،إضافة إلى أشعار "بين التغريب والغربة"عبد الله الهدية الشحي/ "رباعيات رجل التيه رابح ظريف/"رصيف الخريف" نسيمة الراوي.
 
في باب الدراسات  هناك "زرقاوات العرب" محمد محمود البشتاوي/ "المرأة وأدب الاعتراف" بسمة محمود / "المرأة في الرسائل الديوانية الأندلسية" جميلة مفتاح / "النساء الأفريقيات يكتبن المقاومة" رشا رمزي/ "السيرة الذاتية النسائية- أحلام يقظة مؤجلة "
لطيفة لبصير.
في باب النقد الأجنبي  "منخفض الهند الموسمي- أسامة أنور عكاشة " الدكتورمحمد فاتح زغل / "هوس الألوان في التراث الثقافي الأوروبي" صديق جوهر / "الطريق إلى سان جيوفاني" محمد عيد إبراهيم / "ألان روب غرييه- التشييد على الفراغ" محمد محمد المزديوي.
في باب السينما هناك "المليونير المتشرد" مانيا سويد / "فيلم شجرة الحياة "سليمان الحقيوي.
في باب المسرح    "خمس فرق مسرحية تطوف أرجاء الإمارات" أحمد الماجد.
حوار  الكاتب اللبناني المقيم في باريس عيسى مخلوف حاورته :هدى الزين.
   مراجعات: من كارل ماركس حقاً؟ ترجمة: توفيق الأسدي" /  "سنة أولى كتاب "مريم ناصر.

الأحد، 7 يوليو 2013

Mezdioui




. 






Page Set Up : Nil Agopoff (Paris) 

Original article on the Web - The Year of Armenia in France - Article on Azad-Hye Site
 
Asharq Alawsat N#10256, wednesday 2006/12/27 p.2?  
from a photocopy of the newspaper
[(*1)] - [(*2)]
_ Armenian-Arab Chapters [(Home)] _
[(I)- [(II)- [(III)- [(IV)- [(V)- [(VI)- [(VII)- [(VIII)- [(IX)- [(X)- [(XI)]
 Chapters of French Web Site 












. 




Asharq Alawsart in english

Page Set Up : Nil Agopoff (Paris)

Original article on the Web - The Year of Armenia in France - Article on Azad-Hye Site
 
Asharq Alawsat N#10256, wednesday 2006/12/27 p.2?  
from a photocopy of the newspaper
[(*1)] - [(*2)]
_ Armenian-Arab Chapters [(Home)] _
[(I)- [(II)- [(III)- [(IV)- [(V)- [(VI)- [(VII)- [(VIII)- [(IX)- [(X)- [(XI)]
















الأحد، 16 يونيو 2013

المبدعون يعبثون بأجندات السياسيين في فرنسا

المبدعون يعبثون بأجندات السياسيين في فرنسا
المهاجرون العرب يثأرون لأنفسهم في الصالات السينمائية وبسنّ القلم
باريس: محمد المزديوي 

1 نوفمبر 2006/ صحيفة الشرق الأوسط


لعل ما أحدثه فيلم «اندجين في فرنسا» خلال أقل من شهر، يفوق في تأثيره النفسي والعملي ما استطاعت ان تحققه أعمال الشغب
التي اشتعلت في الضواحي الباريسية منذ سنة بالتمام والكمال. والمثير ان هذه الظاهرة لا تقف عند حدود «أندجين» وحده، فثمة أفلام أخرى وكتب ومقالات فعلت فعلتها في نفوس الفرنسيين في الفترة الأخيرة، وتفاعلوا معها، وأثرت بشكل مباشر على مسار حياتهم، ودفعت بالعديدين الى اتخاذ مواقف لم تكن متوقعة. الفرنسيون يحبون الكتب والأفلام، هذا ليس خبراً بحد ذاته، لكن ان تصبح الأفلام والكتابات عوامل تغيير جوهرية، فهذا أمر يستحق النظر.

ريديكير روبرت، ليس فيلسوفا خلافا لما يقال، هو مدرس فلسفة، وإذا كانت الفلسفة، حسب التعريف الدولوزي (نسبة إلى الفيلسوف الراحل الكبير جيل دولوز) هي اختراع المفاهيم، والكل يعرف قوة المفاهيم والحمولات التي تغصّ بها، فصاحبنا اكتشف، على شاكلة كتاب رديئين وجهلة، من أمثال تسليمة نسرين والإيطالية العنصرية فيلاّشي، أن الشهرة ربما تأتي من تحقير وذم دين سماوي نبيل مثل الإسلام. فقد فجرّ ريديكير قلمه، على طريقة كتاب القرون الوسطى الذين كنا نتصور أن البشرية، حاليا، تجاوزتهم، وأن التعارف والحوار والتفاهم هو الأساس الأوحد للنقد والوصول إلى الحقائق.
وكي نعرف مواقفه وحقده على العرب، لا بأس من قراءة مقالة في مجلة «ماريان» الصهيونية بتاريخ 10 يونيو 2006، وفيه اعتراف بخطئه في دعم الغزو الأميركي للعراق: «كنت مسكوناً بجمود الديمقراطيات إزاء ديكتاتوريات ما قبل الحرب. كما كنت أتصور أن العراقيين سيستقبلون الأميركيين بأذرع مفتوحة. كما أني بالغت في الإيمان بقدرة الأميركيين على معرفة الأرض، واندهشت من غياب كامل لأي مشروع لمرحلة ما بعد الحرب«.
وينتهي به الأمر إلى الإقرار بأن «الوضعية اليوم مأساوية، فالأميركان لا يستطيعون البقاء ولا يستطيعون المغادرة، ولكن يتوجب عليهم الاختيار في نهاية المطاف«. ثم يبلغ ريديكير ذروته في مقاله السجالي (البعيد عن أي نقاش موضوعي وعلمي) في «الفيغارو» الذي يتحدث فيه كيف أن «الحقد والعنف يسكنان الكتاب الذي يتربى عليه كل مسلم متعلم، أي القرآن». ويذهب في مقارنة سوريالية بين المسيحية والإسلام ويكتب: «إن اللجوء إلى محمد، يقوي الحقد والعنف».
تظهر خطورة هذه الكتابات في كونها جاهلة للتاريخ والدين الإسلاميين. إذ ان العديد من الذين قرأوا مقال أستاذ الفلسفة، لاحظوا أنه لم يفهم حتى كتاب مكسيم رودنسون، المستشرق الذي أغنى المكتبة العالمية بكتابات جديرة بالقراءة عن النبي، وهو يستشهد به.
مثل هؤلاء لن ينقرضوا، ويخطئ العرب والمسلمون إذا أضاعوا وقتهم وطاقاتهم في كل مرة بالتصدي لجاهل أو حاقد على هذه الشاكلة. ويبدو أن العرب والمسلمين لم يستفيدوا بعد من تجربة سلمان رشدي، ولا من الرسوم المسيئة للرسول.
حين يفرض الفن نفسه على السياسيين
يوم الأربعاء 27 سبتمبر 2006 أعلن سكرتير الدولة لشؤون المحاربين القدامى حملاوي ماكاشيرا (وهو من أصول جزائرية)، تسوية الأوضاع المادية لقدامى المحاربين الأجانب، وجعلها تتساوى مع ما يتقاضاه إخوانهم في السلاح من الفرنسيين. شيراك أراد بهذا وضع حد لخمس وأربعين سنة من الظلم، تحت تأثير فيلم «أندجين». ودون أن ينتظر معرفة المداخيل، أعلن رشيد بوشارب مخرج فيلم «أندجين» وممثلوه عن أول انتصار.
الفيلم الذي عرض بصالات كثيرة جدا، قياسا الى افلام من هذا النوع، هو عمل استثنائي، أسال الكثير من المداد: «فيلم درامي تاريخي من إخراج الفرنسي ـ الجزائري رشيد بوشارب، حاز جائزة هامّة (أهم الأدوار الرجالية لممثليه الأربعة: جمال دبوز وسامي بوعجيلة وسامي ناصري ورشدي زيم) في مهرجان كان السينمائي.
الفيلم يتخذ موضوعه الأساس من مشاركة مقاتلين وقنّاصة ورماة من المغرب العربي ومن أفريقيا السوداء، في تحرير فرنسا من الاحتلال النازي، ولكن حقوقهم هُضمت وعاش أغلبهم على الكفاف قبل أن يموتوا في نسيان عارم، وما تبقى منهم، وهم لا يتجاوزون المائة ألف، يعيشون على الأوهام والذكريات ويتلقون مساعدات مادية لا تتجاوز عُشُر ما يتلقاه رفاقهم من الفرنسيين.
الفيلم لا يطالب فقط بإصلاح هذا الخطأ التاريخي، ويبدو أن هذا الخطأ سيتم إصلاحه، فيما يخص الأحياء، إذْ أن الرئيس الفرنسي شيراك الذي حضر صحبة العديد من المسؤولين والذي تأثر كثيرا لمشاهد الفيلم، قرّر، (الصحافة تنقل بأن سيدة فرنسا الأولى صاحت، وهي تشاهد الفيلم، بزوجها: «جاكْ افعل شيئا ما»)، زيادة المعاشات التي يتلقّاها المُحاربون القدامى غير الفرنسيين.
الفيلم لا يلتفت فقط نحو الماضي، ولكنه يروم الانفتاح على المستقبل، إذ هو يذكر المسؤولين الفرنسيين والطبقة السياسية الفرنسية بأن كل مشاريعها لإدماج الأقليات المرئية فشلتْ، ولا يزال أحفاد أولئك الذين صنعوا تحرير فرنسا يعانون من عنصرية وتمييز قاسيين.
الفيلم الناجح يكون زواجا بين عوامل ناجحة ومتجانسة، ومن أهمها مخرج ذكي، وممثلون يؤدون أدوارهم ويتقمصونها بحذق ومهنية، وتمويل سخي، وجمهور على موعد مع الفيلم. بوشارب مخرج فرنسي، من أصول جزائرية، من أذكى المخرجين الشباب، أما الممثلون الأربعة، فهم معروفون، وعلى رأسهم الجزائري سامي ناصري الذي لمع في فيلم «تاكسي1 وتاكسي 2» وغيره. أما المغربي جمال دبوز، الذي ساهم، جزئيا، في تمويل الفيلم، بعد رفض المسؤولين الفرنسيين وقنوات التلفزيون الفرنسية فعل ذلك، فهو من بين أكثر الفنانين الفكاهيين، شعبية في فرنسا. وكان مُرتَّبُه الأول سنة 2004 مقارنة مع باقي الفنانين الفرنسيين.
يرى المؤرخ الفرنسي باسكال بلانشارد في هذا العمل «أول فيلم لا يندرج ضمن أي ميثولوجيا، ولكنه يؤدي دورا تربويا بذكاء، وضمن إطار تاريخي مُحدَّد». ولا يني المؤرخ يؤكد أن الفيلم سدَّ فراغا تاريخيا كبيرا: «هذا الفراغ، هذا الغياب للتمثيلات الرسمية، الذي يعود لِعُقود من الزمن. وحده من يمسك بآيديولوجيا مُحدَّدَة هو من يستولي على هذا التاريخ». سيواصل هذا الفيلم، الذي لن يتركَ أحدا على الحياد، إسالة الكثير من الجدال. إنه يفتح صفحة مؤلمة من تاريخ فرنسا لمّا تُدْرَس بعدُُ، أو أنها لم تُدْرس بشكل كافٍ، ويصفع بقوة أولئك النواب اليمينيين الفرنسيين، الذين صوتوا في غفلة من الضمير والزمن، على قرار برلماني، سرعان ما ألغاه شيراك، يعترف بـ«الدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي». الزعيم الفرنسي العنصري، جون ماري لوبين، عبّر عن رغبته في مشاهدة الفيلم، ولكنه حتما لن يوافق على موضوعه.
ليس لوبين العنصري وحده، من لا يوافق على موضوع العمل، إذ أنه يخشى من مرحلة ما بعد الفيلم، ونقصد تطبيع وضعية أبناء الجمهورية من أصول غير أوروبية. فحتى وزير الداخلية نيكولا سركوزي عبّر عن تشكيكه في نجاح الفيلم، ولم يتوان عن التذكير بفشله في تحقيق الإيرادات، وأضاف ساخرا ومعلقا على تخصيص مجلة «لونوفيل أوبسرفاتور» صفحتها الأولى للفنان جمال دبوز، بالقول: إن مبيعات المجلة تهاوت بسبب صورة دبوز على الغلاف، وهو ما كذبته المجلة بقوة. لم تخسر فرنسا كثيرا، من الناحية المادية، حين صححتْ خطأها إزاء المحاربين القدامى، إذْ أن أغلبهم قضى، ولكنها، وهي تمنح الدروس لعديد من الدول، وخصوصا تركيا، حول المسألة الأرمنية الشائكة، تجد نفسها، الآن، في موضع أقوى من السابق.
تأثير فيلم «أندجين» على القرار السياسي لم يغب عن ذهن معلّق صحيفة «لوموند» الفرنسية «ناثانييل هيرزبيرغ» الذي رأى أن هذا الفيلم، ليس التعبير الفني الوحيد الذي أثر على الساسة، إذ أن هناك رواية «نوتردام دو باري» لفيكتور هوغو التي ساهمت في إنشاء مفتشية الآثار التاريخية، كما أن فيلم «ميرفين لوروي«(أنا هربت) لعب دورا حاسما في تحريم الأشغال الشاقة وربط السجناء في الولايات المتحدة، وأيضا فيلم «أريد أن أعيش» لروبرت وايز كان له وزن في بعض الولايات الأميركية التي ألغت حكم الإعدام. ويختم المعلق بالقول: «انّ فيلم «أندجين» ونجاحه، يبعثان صورة أقل لمعانا عن «سَيْرَكنا الكاتودي». كما أنهما يوقعان، على طريقتهما، هزيمة السياسيين، ولكنهما يُذكّران أيضا الفنانين بأنه في ساعة الخيبة والانطواء، لا يزال يمكن لفيلم أن يغير العالَم».
الذكرى الأولى لانتفاضة الضواحي: لا شيء تغير
يكره ساركوزي ذكر كلمة «ذكرى أولى» لوصف مرور سنة على اشتعال الانتفاضة، ويرفض الإقرار بالحقائق التي كذّبت كل توقعاته واتهاماته. الانتفاضة التي اشتعلت بعد موت المُراهٍقَين، «زياد» و«بونا»، صعْقا بالكهرباء بعد أن طُورِدَا من قبل الشرطة الفرنسية، اتهمتهما ظلما وعدوانا، بمشاركتهما في أعمال سرقة وعنف. في مثل هذه الأيام، من العام الماضي، اشتعلت الضواحي الفرنسية خلال فترة طويلة معلنة تمردا أو ما يشبهه ضد قوانين الجمهورية الفرنسية «الظالمة» أو غير المكترثة» لمآسي ومعاناة أبنائها من الأصول المغاربية والسوداء.
وُعودٌ بمساعدات، تبلغ مئات الملايين من اليورو لم تصل أبدا، والحالة على حالها، والتوتر سيد الموقف، ولا شيء يمنع من أن تشتعل من جديد. وقد جاء تقرير، من فترة قصيرة، للاستخبارات يحذّر من انتفاضة قادمة، إذْ أن كل شروطها متوفرة. التظلمات التي بلغتْ عشرات الآلاف وصلت إلى البرلمان، علامة على أن أصحاب الضواحي لا يتقنون فقط أسلوب الحرق والتخريب، ولكن استقبال أصحاب الشأن السياسي لها فاترا.
ولأنّ الأمور لم تستقم بعد، فقد ظهرت في نفس أماكن اضطرابات السنة الماضية، طرقا جديدة في الصراع المفتوح بين الشرطة والشباب. طرق تتخذ أشكال الكمائن المسلحة (من بالغين وأحداث) والشعارات الحائطية التي تهاجم وزير الداخلية مباشرة بالاسم، وأغاني الراب التي تُهاجم الشرطة والوزير معا.
لا شيء حدث بعد ما وقع العام الماضي. عينُ اليمين الحاكم على الانتخابات القادمة، واستطلاعات الرأي تمنح سركوزي ومعالجته الأمنية القمعية (وحدها) لأزمة الضواحي قبولا كبيرا لدى الناخب الفرنسي الباحث عن الأمان. ويذهب النائب البرلماني اليميني، عن مناطق الاحتجاجات إلى درجة الطلب من المواطنين القيام بدور الوشاية. يعللها بكونها «وشاية جمهورية»..
أما الحكومات المغاربية، التي نفضت أيديها من مثل هذه القضايا الفرنسية ـ الفرنسية، فهي لا تفعل شيئا سوى انتظار عودة رعاياها لحلبهم حين يعودون إلى البلاد.
تجدر الإشارة إلى أن العديد من المجلات والجرائد الفرنسية كرست ملفات كبيرة حول المشكلة، ويمكن، في هذا الصدد، قراءة العدد الممتاز من «Manières de voir» الذي تنشره مجلة «لوموند ديبلوماتيك» ومجلةRevue Esprit  وكذلك مجلة Annales وغيرها من المجلات والكتب.

الحركيون والانتقام من التاريخ بالكتابة

بدأت الأصوات تتعالى من أجل تصحيح خطأ تاريخي آخر، ويتعلق الأمر بالحركيين. وهم الجزائريون الذين حاربوا مع الجيش الفرنسي في الجزائر ضد أبناء جلدتهم من مناضلي جبهة التحرير الوطنية، وربطوا مصيرهم بمصير فرنسا. بدأت تنكشف بفضل مؤرخين وروائيين شباب من أبناء هذه الطائفة، حقائق مأساوية عاشوها حين وصلوا إلى فرنسا. حقائق لم يكن أحد من المعجبين بفرنسا/حقوق الإنسان يعرفها أو يتخيلها.
وليس من الجديد التذكير بأن العديد منهم تُرِكُوا في الجزائر ليلقوا مصيرهم القاتل على أيدي مناضلي جبهة التحرير الوطنية المنتصرة. وأما المحظوظون منهم، والذين نجحوا في العبور إلى فرنسا، فقد عاشوا لعقود حياة تصعب على الوصف. فقد وُضعوا في معسكرات محاطة بالأسلاك الشائكة، ومنعوا من الالتقاء بالفرنسيين. وكأنهم مصابون بأمراض معدية. وتعرضوا لمعاملات قاسية من الجنود الذين كانوا يحيطون بهم. ولم تتح لهم فُرَص الخروج إلى العلن إلا منذ فترة قصيرة.
تقفز إلى الذهن دليلة كرشوش Dalila Kerchouche من خلال كتابها اللافت: «أبي، هذا الحَرْكي «Mon père, ce harki، وفيه تتناول هذا الماضي «المخجل»، وتتحدث عن أبيها المنحدر من جبال شليف الذي سيخون بلده، الجزائر، حين انخرط سنة 1956 في القوات الفرنسية، وتتحدث أيضا عن أخيها الأكبر «محمد» الذي انتحر، شنقا، سنة 1996، عن عمر 35 سنة، وكيف أن إخوتها وأخواتها عاشوا محاصرين بالأسلاك الشائكة في جنوب فرنسا، في الوقت الذي كانت فيه فرنسا تعيش على إيقاع «الثلاثين الخالدات» (سنوات الازدهار الاقتصادي الكبير).
والكتاب ليس الأول الذي تنشره هذه الشابة التي لا تتجاوز الثلاثين من العمر، إذ سبق لها أن نشرت كتابا يحمل عنوان: Leïla : Avoir dix-sept ans dans un camp de harkis وهو نص سردي عن حياتها في هذا المعسكر القاسي.
ومثلما حدث مع «أندجين»، بدأ يحدث مع هذا الموضوع الذي توقف عن أن يكون «تابو». بدأت فرنسا الرسمية تفرج عن الوثائق، وتعترف بمسؤوليتها وتحاول الآن أن تعتذر، دون أن تفقد ماء الوجه. وقد نجحت دليلة كرشوش، في العثور على تمويل كاف استطاعت من خلاله إخراج فيلم لاذع عن هذه المأساة، حرّك شجون الفرنسيين وكشف لهم خيوطا مجهولة من تاريخهم، خيوطا لا تدعو للفخار. وكم كان الفنان الفرنسي «إسماعين» من أصول جزائرية، لامعا في هذا الفيلم. ولأن الأشياء الجميلة لا تأتي فرادى، فقد أشرف المخرج والصحافي الفرنسي سيرج مواتي على إخراج فيلم وثائقي مستلهم من كتابات دليلة.
هذا دليلٌ آخَر على أن الكتابة تستطيع فعل شيء. بمقدورنا من الناحية التاريخية والسياسية أن نلوم هؤلاء الحركيين على موقفهم، وهو موقف شبيه بجيش لبنان الجنوبي، ولكن ما ذنب أبنائهم؟!

رقابة فرنسية على "سيلين"، أو حين يتنكر البلد لِمبدعيه!

شرطة الثقافة في فرنسا تحرم فرنسا الأدبية من الاحتفال بكاتبها الأعظم فرديناند سيلين
الرقابة هي فرنسية، أيضا



باريس. محمد المزديوي
23 يناير 2011
مرة أخرى يواصل الصهاينة الفرنسيون، أوصياء الثقافة، مُطارَدة الأدب الفرنسي، بدعوى معاداة السامية. وليس الأمر مسألة فردية، بل أصبح مناخا عاما. فبعد كتاب "بادية فرنسا"، للفرنسي رونو كامو، الذي اتهم فيه الصهاينة، قبل سنوات، بالاستيلاء على الإعلام الفرنسي، فتم منع كتابه، ولم يُطلق سراح الكتاب حتى صبغت باللون الأبيض الفقرات التي يتناول فيها هيمنة الصهاينة على الإعلام والميديا والثقافة. وأسلم رونو كامو نفسه للنوم حتى استيقظ، بعد غسيل دماغ (شارك فيه كتاب صهاينة من بينهم ألان فينكلكروت)، ولم يَعُد يرى أمامه من عدوّ سوى الإسلام والتطرف الإسلامي. إذنْ فالأمر ليس حدثا فرديا، بل إن الكثير من الأصوات يتم تكميمها ومطاردتها، كما أن النصوص والأصوات التي تريد أن تنتقد الهيمنة الصهيونية على الإعلام والميديا، تتعرض للمنع والتهديد. ولعل مثال العجوز هيسيل(الذي يتجاوز التسعين سنة)، الذي يُحارَب ويطارد وتمنع الندوات التي يشارك فيها، على الرغم من كونه يهوديا، بل وهو من المُرحَّلين من ضحايا النازية، دليل على أن الصهاينة قادرون على محاربة أبناء جلدتهم إن كان عندهم رأي يخالف الإجماع الصهيوني.
آخر مثال لضحايا الصهيونية الثقافية في فرنسا، هو الكاتب الفرنسي الكبير فرديناند سيلين، صاحب رواية "سفر في آخر الليل"، التي صدر سنة 1932 والتي تعتبر إلى جانب "البحث عن الزمن الضائع" لبروست، أهم روايتين فرنسيتين في القرن العشرين، وبالتالي فالروائي سيلين (وهم اسم جدته) وبروست يعتبران أهم روائيي فرنسا في القرن الماضي والأكثر ترجمة في اللغات الأجنبية.      
وكان سيلين قد رحل عن عالمنا يوم 11 يوليو سنة 1961، أي قبل خمسين سنة تقريبا. وهو ما جعل اسمه يدخل ضمن قائمة كتاب عديدين تحتفل بهم فرنسا، ووزارة الثقافة الفرنسية، هذه السنة، ولكن الدوائر الصهيونية كانت بالمرصاد، فدفعت بعض أوصياء الثقافة ومن بينهم المحامي اليهودي الفرنسي سيرج كلارسفيلد، رئيس جمعية أبناء وبنات المرحلين اليهود، إلى التدخل وممارسة الابتزاز والتهديد ضد الساسة الفرنسيين، ومن بينهم وزير الثقافة الفرنسي الحالي، فريديريك متران ( الذي يعتبر غير كبير أهمية إذا ما قورن بالروائي أندري مالرو، وزير ثقافة الجنرال شارل دو دوغول، أو جاك لانغ وزير الثقافة في عهد فرانسوا ميتران)، ابن أخ رئيس الجمهورية السابق، ومسؤولين آخرين في الجمهورية، من أجل سحب اسم سيلين من قائمة المحتفى بهم. وكان لهم ما أرادوا. وها هو اسم سيلين، صاحب "سفر في آخر الليل" وأكثر الكتاب الفرنسيين، احتفاء باللغة والأسلوب الفرنسيين، غريبا في وطنه.  
وإذا كانت شبهات معاداة السامية ظاهرة في بعض كتب سيلين، فهي موجودة في كتب نظرية، وليست في رواياته التي تعتبر احتفالا بالكتابة والأسلوب. وهذه الفكرة دافع عنها العديد من الكتاب الفرنسيين، الذين رأوا في انهيار وزير الثقافة أمام ضغوط الطائفة اليهودية، انهيارا للعلمانية الفرنسية، وتدخلا للدين في مجال الثقافة والأدب. وهو ما ليس بالأمر المقبول. ولو كان الأمر يخصّ الثقافة الإسلامية لكان الأمر غير ذلك. ويكفي أن المثقفين الفرنسيين ورئيس الجمهورية ساركوزي تداعوا جميعا للدفاع عن حق رسامي الكاريكاتير في تصوير نبينا الأعظم (ص)، دون مراعاة لشعور المسلمين.
الروائي بيير أسولين، وهو كاتب من أصول يهودية، ندد بمنع سيلين، واعتبر أن الأمر غباء كبير. ومن جهته أكد الفنان المسرحي فابريس لوشيني (الذي قرأ خلال سنة مقاطع من فصول سفر في آخر الليل لسيلين في أحد المسارح الباريسية بنجاح منقطع النظير) امتعاضه من منع الاحتفال ب الكاتب الفرنسي الكبير، وعبر، في سخرية ظاهرة، عن مخاوفه من منع رواية "سفر في آخر الليل"... ونبّه إلى حقيقة يتناساها الرقيب الغربي، وهي ضرورة الفصل بين حياة الكاتب ومؤلفاته، احتراما للأدب والثقافة.
قد يكون سيلين معاد لليهود، وقد كانه بالفعل، ولكنه، مع ذلك، وفوق ذلك، من أهم روائيي فرنسا والعالم...
حتى لا يقول قائل: الرقابة فقط موجودة في بلاد العرب!

الثلاثاء، 28 مايو 2013

رواية "الأمير الصغير" في صحيفة "عُمان" العُمانية

تخفيض حجم الخطزيادة حجم الخط

بعد مرور 70 عاما على نشره لأول مرة - «الأمير الصغير» يحقق نسبة مبيعات تجاوزت 134 مليون نسخة

Thu, 02 مايو 2013
سبعون عاماً مرت على نشر كتاب "الأمير الصغير" رائعة الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيرى (1900-1944)، ومثل الكتاب حين نشر لأول مرة عام 1943 ثورة من حيث فكرته وبراعة أسلوبه، الذي جاء على شكل حكم إنسانية عميقة المعنى. يحكي الكتاب قصة طيار سقطت طائرته في الصحراء الأفريقية، هو الذى أجبر على تعلم هذه المهنة بعد تركه الرسم الذى برع فيه في صغره، لكنه تركه حين لم يفهمه "الكبار": كان قد رسم أفعى تبلع فيلاً، لكن جميع من رآه وجد فيه رسماً لقبعة!
وفي مكان سقوط طائرته تقابل هذا الطيار مع الأمير الصغير القادم من كوكب آخر، وطلب منه أن يرسم له خروفاً فلا يعرف حتى رسم في نهاية الأمر صندوقاً مغلقاً، وأقنع الأمير الصغير بأن الخروف داخله، ويتوالى السرد وتتابع، بشكل مؤثر وممتع، الصور الرمزية الوجودية في قصة هذا الأمير، الذي أحب زهرة وأخلص لها، والمتجول بين الكوكب ليكتشف معنى الحياة. النسخة الإنجليزية الأولى من الكتاب نشرتها "رينال وهيتشكوك"، وهي محفوظة بمكتبة "بيربونت مورجان" في نيويورك، وكان دو سانت إكزوبيري قد ضمن نصه رسومات أنجزها بنفسه تعبر عن مضمون القصة.
الكتاب تجاوزت مبيعاته 134 مليون نسخة، وترجم إلى أكثر من 220 لغة منها اللغة العربية، التي شهدت أكثر من ترجمة للكتاب منها ترجمتان الشاعر اللبناني يوسف غصوب، والشاعر العراقي سعدى يوسف، والقاص المغربي محمد المزديوي، ولم يتوقف نشر الكتاب على الشكل المطبوع حيث قدمت دار نشر "جاليمار" الفرنسية نسخة إلكترونية منه مصحوبة برسوم متحركة.

السبت، 4 مايو 2013

عن معرض "ألف ليلة وليلة" في معهد العالم العربي! Les Mille et Une Nuits


«معهد العالم العربي» يستنجد بـ«ألف ليلة وليلة»






باريس تكرم الكتاب الملعون الذي لن يبوح بسره
باريس: محمد المزديوي
لن يفلح معرض «ألف ليلة وليلة» الذي يخصصه «معهد العالم العربي» لأحد أكثر الكتب شهرة على الإطلاق، في كشف ما خفي من أسراره، أو معرفة حقيقة أصوله. لكن ما روته شهرزاد لشهريار يبقى من أكثر القصص جاذبية وإدهاشا وغرائبية، وهو ما يعول عليه المنظمون لجذب أكبر عدد من الزوار. كتاب ما يزال يثير الأسئلة ويحض على الحيرة، لهذا تلقفه الغرب بشهية بينما لا يزال يتقزز منه بعض أهله. فأين نحن من الليالي وعجائبيتها؟
ليس ثمة شك في أن كتاب ألف ليلة وليلة هو الكتاب العربي الأكثر شهرة في العالم (نتحدث هنا عن الأدب). وليس ثمة ما يدهش حين نستخرج هذا الكتاب من رفوفنا المغبرة كلما أحسسنا بوهن أمام الغرب والحاجة لإثبات قدرتنا على التخييل أمام الثقافات الأخرى. وأصبح الكثير منا يحسّ بالفخر حين يعترف هذا الكاتب الغربي أو ذاك بتأثره بالكتاب. مزيج من السعادة والارتياح لكون هذا الكتاب لا يتوقف عن إثارة إعجاب الغربيين بهذا التراث العربي الأصيل، رغم أصوله الهندية والفارسية، وهو ما لا يتوقف الكثيرون عن قذفه في وجوهنا، كما يفعلون عادة حين نتحدث، بسذاجة، عن اكتشاف العَرَب للصِّفْر وغيره من العلوم فينسبونها للهند.
وطبعا هو الكتاب الذي لا يتوقف عن فتح الأسئلة. ويأتي المعرض الكبير الذي يقيمه «معهد العالم العربي» في باريس احتفالا بهذا الكتاب لنعيد معه الكثير من الأسئلة التي طُرِح الكثير منها في السابق والتي لم تَحْصُل (ولن تحصل) على جواب. ولعلّ البعض منها يُطرَح على كل كتاب كبير أثَّر في الثقافة العالمية. لعل «دون كيخوته» واحدٌ منها.
ولم يخطئ معهد العالم العربي في قراره، والنجاح سيكون حليفه بالتأكيد، فَكُلّ واحد منا «فيه شيءٌ من ألف ليلة وليلة». وسينضاف هذا المعرض إلى قائمة المعارض التي حققت نجاحا في المعهد، ومن بينها: معرض «مصر الفرعونية» والآخر عن «أم كلثوم» (بعض المعارض كانت مكلفة وفاشلة!). سينجح الرهان طبعا في المزاوجة ما بين تقديم الثقافة لجمهور غربي وعربي وتحقيق الربح من أجل تأمين سير المعهد ودفع مرتبات الموظفين...
لم يُعامِل العرب في تاريخهم «الليالي» بمودة تستحقها. ففي بعض الفترات الحالكة، من تاريخنا المعاصر، كان الكِتاب يتعرض لمناقشات عاصفة في برلمانات وكأنه يُهدِّد الأمن القومي العربي. ووصل الأمر أحيانا إلى إصدار قرارات ببتر أجزاء منه، إرضاء لما يسمى بالأخلاق العامة، متناسين أن ثقافتنا العربية، ومن بداياتها، تحتوي على ذخيرة عجيبة وفريدة من النصوص التي تنضح حرية وتخييلا ومَرَحا.
يقدم المعرض هذا الكتاب باعتباره: الكتاب الذي «لا نهاية له»، أو الذي يمتلك «كل النهايات»، يمتلك قصة تشبه في ثرائها وإدهاشها وغناها وإبهارها تقلّبات الحكايات التي تتضمنها والتي تعتبر مصادِرُها، هي أيضا، متعدِّدة. وهذا العمل الشعبي الذي يحمل الأساطير والمعتقدات الخاصة بالشرق شهادة ثقافية فريدة. إنه مَصْدر تعددية الصُّوَر عن الشرق - صحيحة كانت أم مغلوطة - وأصل الكليشيهات التي صنعها الغرب، والتي تكوّن نوعا من «القواميس» والتي لم تتوقف مخيالات أجيال كاملة من فنانين ومبدعين عن الاغتراف منها. هذه الأجيال التي لم تكتف بالاغتذاء منها بل وقامت بإثرائها. وهكذا تشكل هذه التحفة الأدبية العالمية الرائعة آصرة استثنائية ما بين الشرق والغرب.
ولهذا السبب بذل المُنظمون جهدا استثنائيا من أجل تجميع مواد تتعلق بالكتاب، من أجل محاولة تفسيره والاقتراب منه:
«ما يوازي ثلاثمائة وخمسين عملا تتيح للزائر الاقتراب قدر الإمكان من شخصية شهرزاد العظيمة، والتي من دونها ما كان لليالي الشهيرة التي تشكل موضوع هذا المعرض، والتي سَيَتِمّ عرض بعض مخطوطاتها الأكثر قِدَما، أن يكون لها وجود. سيكون بالإمكان تتبع العمل، منذ بدايته وأُصُولِه الهندية - الفارسية، مرورا بالحكايات العربية التي تعود إلى القرن التاسع الميلادي وصولا إلى أنطوان غالاند الذي كان صاحب أول ترجمة لليالي إلى لغة أوروبية».
قيمة الكتاب الكبير تتجلى في الأسئلة التي يثيرها وليس في الأجوبة التي يمكن أن نستخلصها. ولعل السؤال الأول الذي لن يجد جوابا هو المتعلق بأصوله. صحيح أنّ الحكاية الإطار ذات جذور هندية، وليس الأمر مستغربا إذ أن «كليلة ودمنة» نفسها من أصول هندية وقام ابن المقفع بتعريبها. ثم تأتي الإضافات الفارسية. وحتى لو اقتصر دور الفرس على تسريب ونقل ما هو هندي إلى العرب لَكَفَاهُم شرفا. أَلَمْ يُؤكد الأنثروبولوجي البريطاني جوزيف نظام على أن دور العرب في نقل الاكتشافات الصينية إلى الغرب حاسِمٌ في التاريخ ويمنحهم شرَفا لا يُنسى؟! إذن فالهنود، بصيغة الجمع، هُم من اخترع الليالي، ولكن لا يوجد اسم واحدٌ مُعيّن. وهذه الصدفة هي التي جعلت البنيوية تحتفي بـ«موت المُؤلِّف»، أو بالأحرى لا أهميته. ألَمْ يُقرِّر موريس بلانشو أن يختفي عن الأنظار بصفة نهائية، مفضِّلا ترك نصوصه تدافع عن نفسها من دون حاجة إلى معرفة بيوغرافيا صاحبها وصوره الفوتوغرافية؟!
كتاب «الليالي»، أو كتاب «الليالي العربية»، كما يقول البريطانيون، أو رواية «ألف ليلة وليلة» أو «حكايات» أو «قصص» ألف ليلة وليلة، هو الكتاب الأدبي العربي الوحيد الذي لن نتعب في العودة إليه. وإذا كان الكثيرون من دارسيه يشكرون الترجمة الفرنسية لغالاند في منحه الشهرة العالمية التي حصل عليها، قبل أن يعود العرب إلى إيلائه بعض الأهمية، خصوصا بعد ظهور المطبعة (وقد تمت بفعل «حملة» بونابرت على مصر) وبالتالي طبعة بولاق الشهيرة، وهو أمر لا مراء فيه، فإن الكثير من الدارسين أغفلوا أن «الليالي»، شأنها شأن كتابات الرحّالة الغربيين الحالمة والشبقية للعالم العربي ساعدت على تحبيب فكرة الاحتلالات الغربية للعالم العربي.
ها هي الليالي تُطبع في بلاد عربية كثيرة. ولكن لماذا يظل هذا الكتاب ملعونا؟ لماذا لا نرى فيه سوى الأشياء المقززة والمريبة والهدامة (هل كان الخليفة هارون الرشيد في حقيقته مشابها للصورة التي تقدمها عنه الليالي؟).
يحتفل هذا المعرض بحضور حواضر العرب الكبرى في الكتاب: بغداد ودمشق والقاهرة. لماذا لا نلتفت، بما يستحقه الأمر، إلى إضافاته العربية؟ ألَيْسَ من الممتع قراءة «حكاية الجارية تودّد»، وهي تجادل علماء بغداد وتنتصر عليهم، بدل التركيز المبالغ فيه أحيانا على البدايات اللاعربية؟!
بالطبع ليس الأمر ميؤوسا منه. فالدراسات العربية التي تناولت الكتاب في تصاعد مطرد. ولا يجب أن نغفل الدراسة الرائدة التي قامت بها سهير القلماوي تلميذة طه حسين للكتاب. ثم يأتي بحاثة عرب آخرون أثروا الكتاب بتأملاتهم وتحليلاتهم وتحقيقاتهم ومن بينهم الراحل العراقي محسن مهدي، رغم تركيزه على ليالي «غالاند»، وقد اشتُهر مهدي بتحقيقه لكتاب «ألف ليلة وليلة»، الذي أثبت فيه أنه لا يضم سوى 282 ليلة: «مبيّنا» أن مستشرقي القرنين 18 و19 هم الذين غيروا ومدّدوا العدد لكي يصل إلى «ألف ليلة وليلة».
وفي مواجهة هذه القراءة «الطهرانية» التي تتحرى معرفة الأصل، وهو أمر مستحيل، بسبب ندرة المادة التاريخية، تظهر مدرسة أخرى لا تعير للعدد (1001) كبير أهمية، وتستلهم من دراسة خورخي لويس بورخيس الشهيرة: عن المجاز، منطلقا لها: (لأنّ «ألف ليلة» تعني ليالي كثيرة، تحديدا كما تعني كلمة «أربعون» عددا كبيرا في لغة القرن السابع عشر. كتب شكسبير: «حين سيضربُ أربعون خريفا جبهَتَكَ». وأفكر أيضا في تعبير إنجليزي رائج: «أربعون غمزة» التي تدلّ على القيلولة.. ولا تجد حرجا في أن يكون بحوزتنا أكثرُ من ألف ليلة وليلة. إذ لو ألّفنا كتابا ووضعنا فيه كل الليالي التي تدَّعي وَصْلا بالكتاب لوجدنا أكثر من 30 ليلة بعد الألف.
ونجد على رأس هذه المدرسة عبد الفتاح كيليطو، الذي لا يجد حرجا في مساءلة الليالي وإحداث نوع من الحوار معها. لا يعتبرها جثة ميتة، وإنما تنضح بالحياة، فيعيد التواصل معها. وفي عمله الجديد، ويتعلق الأمر برواية «أنبئوني بالرؤيا»، يواصل مساءلة هذا الكتاب الذي يعج بالبشر وباللغات واللهجات، ويحاول أن يتطرق لمواضيع لم يتطرق إليها النقد الأكاديمي.
كتب الشاعر محمود درويش مرة: «وأسْلَمَنَا الغُزاة إلى أهالينا»، والحق أن هذه القولة تنطبق علينا، نحن الذين نهْرَعُ لقراءة كِتابِنَا، أو على الأقل تصفحه، حين نرى الانتشار الجماهيري لنصوص وروايات غربية تستلهم تراثنا من «ألف ليلة وليلة» وغيره. ولَكَمْ كانت غيرة، وأيضا عجز، كُتّابنا العرب، أمام ظاهرة «باولو كويلو» البرازيلي وهو «يستنزف» ذخيرتنا العربية، يمنح المتعة للقُرّاء ويجني الملايين. لقد جرّب الروائي الأردني الراحل غالبا هلسا استثمار الليالي في نصوصه ولكن الجمهور العربي لم يكن على موعد.
ألف ليلة وليلة هو الكتاب «الكامل»، بمعنى أن الجميع يجد فيه ضالته. حتى وإن كانت النيات مختلفة. فهو كتاب الرجولة والفحولة من جهة (شهريار ونزواته التدميرية). وأيضا كتاب الحرية وانتصار المرأة بذكائها وجَلَدِهَا (شهرزاد واستدراجها الذكي للملك) بل وحتى النسوانية قبل الأوان، كما تفعل الباحثة المغربية فاطمة المرنيسي. ما هو الهدف الحقيقي من مثل هذه المعارض؟ ليس من شك أن معظم من سيأتي لمشاهدة المعرض يعرف أشياء عن/من الكتاب وتاريخه وحكاياته. وإذا ضربنا صفحا عن القيمة المالية المؤكدة لمثل هذا الاستثمار، فهل يمكن القول إن الليالي ستحسّن من صورة العربي لدى الغربي؟ الجواب ليس مضمونا. إذ أن تحوُّل العالم إلى قرية كونية وشيوع السياحة لم يُوقف من سيل الكليشيهات القروسطوية التي تطفح على السطح كلما سنحت الفرصة لذلك. ولعل قصة الكاريكاتير والفيلم وحروبنا الداخلية لا تُساعِد على تلميع صورتنا في مرايانا المنكسرة.
سيكون الجمهور على موعد مع «ما يقرُبُ من 350 من الأعمال التي تمثل أجيالا وأساليب مختلفة (من الفن الفاطمي إلى نقوش بيكاسو...) تم جلبها من 62 متحفا وطنيا ودوليا ومن مجموعات خاصة». ولأن الكثير من كنوزنا، العربية الإسلامية، لا يزال في طور جنيني: طور المخطوط، فإن المعرض آلى على نفسه «جلب مخطوطات نادرة، لم يَرَهَا الجمهور من قبلُ (شيكاغو، مانشستر، أوكسفورد، كمبردج، برلين، طوبينغين، برشلونة، الفاتكان...)، وستُعرَض في هذا المعرض».
يقول لنا منظّمو المعرض إن «ألف ليلة وليلة، وقبل أن تنتقل إلى الغرب، كانت تُقدَّمُ باعتبارها نصّا من دون صُوَر. وبفضل أبحاث حديثة جدا، لا تزال مجهولة لحدّ اليوم، تمّ اكتشاف 20 مخطوطا مُصوَّرا لألف ليلة وليلة من بين 140 مخطوطا معروفا: ويُعرَض، بهذه المناسبة، مخطوطان من بين أجملها. كما أنه سيتم عرض أعمال لفنانين من المستشرقين ومن فناني العصر الحديث: دوزاتس، باربيي، بيكاسو، مارغريت، فان دونجن، شميد، باكست..».
لعل الجميع سيجد ضالته في هذا المعرض (مخطوطات وأفلاما وصُورا ولوحات وندوات)، ولكن من المؤكد أنّ الليالي لن تبوح بسرِّها النهائي. إذ من يبوح بِسِرِّه فإنما يَسعى لحتفه، وهو ما قاله النِّفري لصديقه الحلاج.
عُمْرٌ طويل «لليالي» العربية!